للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما لأهل الصناعات العملية ألفاظ يعبرون بها عن صناعتهم، وهذه الألفاظ هي عرفية عرفاً خاصاً، ومرادهم بها غير المفهوم منها في أصل اللغة، سواء كان ذلك المعنى حقاً أو باطلاً، وإذا كان كذلك فهذا مقام يحتاج إلى بيان: وذلك أن هؤلاء المعارضين إذا لم يخاطبوا بلغتهم واصطلاحهم فقد يقولون: إنا لا نفهم ما قيل لنا، أو إن المخاطب لنا والراد علينا لم يفهم قولنا، ويلبسون على الناس بأن الذي عنيناه حق معلوم بالعقل أو الذوق، ويقولون أيضاً: إنه موافق للشرع إذا لم يظهروا مخالفة الشرع، كما يفعله الملاحدة من القرامطة والفلاسفة ومن ضاهاهم وإذا خوطبوا بلغتهم واصطلاحهم - مع كونه ليس هو اللغة المعروفة التي نزل بها القرآن - فقد يفضي إلى مخالفة ألفاظ القرآن في الظاهر..وإذا كانت هذه الألفاظ مجملة كما ذكر فالمخاطب لهم: إما أن يفصل ويقول: ما تريدون بهذه الألفاظ؟ فإن فسروها بالمعنى الذي يوافق القرآن قبلت، وإن فسروها بخلاف ذلك ردت، وإما أن يمتنع عن موافقتهم في التكلم بهذه الألفاظ نفياً أو إثباتاً، فإن امتنع عن التكلم بها معهم فقد ينسبونه إلى العجز والانقطاع، وإن تكلم بها معهم نسبوه إلى أنه أطلق تلك الألفاظ التي تحتمل حقاً وباطلاً، وأوهموا الجهال باصطلاحهم: أن إطلاق تلك الألفاظ يتناول المعاني الباطلة التي يتنزه الله عنها، فحينئذ تختلف المصلحة: فإن كانوا في مقام دعوة الناس إلى قولهم وإلزامهم به أمكن أن يقال لهم: لا يجب على أحد أن يجيب داعياً إلا إلى ما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما لم يثبت أن الرسول دعا الخلق إليه على الناس إجابة من دعا إليه، ولا له دعوة الناس إلى ذلك، ولو قدر أن ذلك المعنى حق. وهذا الطريق تكون اصلح إذا لبس ملبس منهم على ولاة الأمور، وأدخلوه عفي بدعتهم (١)

كما فعلت الجهمية بمن لبسوا عليه من الخلفاء حتى أدخلوه في بدعتهم من القول بخلق القرآن وغير ذلك، فكان من أحسن مناظرتهم أن يقال: ائتونا بكتاب أو سنة حتى نجيبكم إلى ذلك وإلا فلسنا نجيبكم إلى ما لم يدل عليه الكتاب والسنة، وهذا لأن الناس لا يفصل بينهم النزاع إلا كتاب منزل من السماء،


(١) كذا ولعل العبارة: وأدخلهم في بدعته..

<<  <  ج: ص:  >  >>