للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه أساليبه مع هؤلاء، ويلاحظ أن هذه العبارات جاءت مع المتفلسفة الملاحدة، ومع ذلك فلم يمنعه ما يجده من مقالاتهم وانحرافاتهم الواضحة، من ا، ينصفهم ويعترف لهم بالحق الذي معهم، سواء على وجه الإجمال أم التفصيل عند عرض المسألة المعينة. وينطلق شيخ الإسلام في ذلك ببيان وجوب الإنصاف والعدل مع الآخرين ومع النفس فيقول:" وكثير من هذه الطوائف يتعصب على غيره، ويرى القذاة في عين أخيه، ولا يرى الجذع المعترض في عينه، ويذكر تناقض أقوال غيره ومخالفتها للمنصوص والمعقول، ما يكون له من الأقوال في ذلك الباب ما هو من جنس تلك الأقوال أو أضعف منها أو أقوى منها، والله تعالى يأمر بالعلم والعدل، ويذم الجهل والظلم كما قال تعالى: {وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:٧٢] ... ومعلوم أن الحكم بين الناس في عقائدهم وأقوالهم أعظم من الحكم بينهم في مبايعهم وأموالهم " (١) . ثم هو يقسم الطوائف إلى طبقات فالفلاسفة والصوفية وأتباع الفلاسفة، هم أبعد عن الحق من المعتزلة، والمعتزلة أقرب منهم، ومتكلمة أهل الإثبات من الكلابية والكرامية والأشعرية والسالمية أقرب من المعتزلة، والسلف وأهل الحديث أقرب الطوائف إلى الحق (٢) . وهو ينبه إلى أنه قد يكون في كلام المبتدعة وأهل الكلام ما هو حق لأنهم قد يذكرون معاني حسنة وصحيحة، ولكن الضلال جاء من جهة أنهم نفوا ما زاد عليها من الحق مما يثبته أهل السنة، ويذكر أمثلة لذلك ومنها:" ما يثبته المتكلمة من أن العبد يتقرب ببدنه وروحه إلى الأماكن المفضلة التي يظهر منها نور الرب كالسموات والمساجد، وكذلك الملائكة، فهذا صحيح، لكن دعواهم أنهم لا يتقربون إلى ذات الله، وأن الله على العرش، فهذا باطل، وإنما الصواب إثبات ذلك وإثبات ما جاءت به النصوص من قرب العبد إلى ربه،


(١) درء التعارض (٧/ ٤٦٣ - ٤٦٤) .
(٢) انظر الصفدية (١/ ١٦٠ - ١٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>