والإجابة عن هذا السؤال واضحة لمن يتتبع منهج شيخ الإسلام وطريقته في الرد على خصومه.
أ- فشيخ الاسلام يفرق بين الأشخاص والأقوال، فإذا كان في مقام الرد على إحدى المقالات الفاسدة، نقضها بقوة، وردها إلى أصولها الأخرى الفاسدة، وشنع على من يعتقد مثل هذا الكلام، ويستدل بهذا الدليل الفاسد، ومن ثم يكون موقفه قويا وشديدا في سبيل نصرة الحق ورد الباطل، أما حين يتجه إلى صاحبها فقد يكون رجع عن هذه المقالة، أو تاب في آخر عمره، ومن ثم فلابد من إنصافه.
ب- ثم هو-رحمه الله- إذا رد إحدى المقالات الباطلة رد على المقالة نفسها فنقضها ونقض ما فيها من استدلال، وشنع على من قال بها فيشتد في موقفه، لكنه حين يحكم على الأشخاص لا يحكم عليهم من خلال هذه المقالة الفاسدة التي ردها، وإنما ينظر إليهم نظرة متكاملة فيرى أن لهذا الشخص جهودا في الرد على النصارى، أو الفلاسفة، أو الرافضة، أو الجهمية، فيمدح أقواله تلك ويمدحه لأجلها. وهكذا
٩- وأخيرا نشير إلى لمحات في منهجه:
أ- فهو يقرن الأمور العلمية بالعملية، وكانت حياتهكما أسلفنا- قائمة على هذا، ولهذا فهو مع ردوده على أصحاب وحدة الوجود- الذين كانوا كثيرين في عهدهـ يقول:" ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم أو أثنى عليهم، أو عظم كتبهم، أو عرف بمساعدتهم، ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدري ما هو؟ أو من قال إنه صنف هذا الكتاب؟ وأمثال هذه المعاذير التى لا يقولها إلا جاهل أو منافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات، لأنهم أفسدوا العقول والأديان علي خلق من المشايخ والعلماء والأمراء، وهم يسعون في الأرض فسادا ويصدون عن سبيل الله، فضررهم في الدين أعظم من ضرر من يفسد على المسلمين دنياهم ويترك دينهم كقطاع الطريق، وكالتتار الذين يأخذون منهم الأموال ويبقون لهم دينهم"(١) .