للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك فقد شغلوا أنفسمهم بما يرون أنه أنفع، من العبادة والجهاد في سبيل الله، وإقراء القرآن، ونقل الحديث وروايته.

والعجيب أن مفهوم هؤلاء عن السلف ومنهجهم منتشر بين جمهرة كبيرة من العلماء الذين نحوا منحى كلاميا- في عقائدهم أو في كتبهم حول العقيد ة- وأيضا من الذين كتبوا حول الفلسفة وعلم الكلام، أو أية قضية من قضاياه، ولذلك انتشرت بين هؤلاء-جميعا عبارة: أن مذهب السلف هو التفويض، أو عبارة بعض السلف: " أمروها كا جاءت "، أو أن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم (١) .

أما العقل عند السلف- على رأي هؤلاء- فلا يعتمد عليه مطلقا، ولا أدري ما يصنع هؤلاء بالدلائل العقلية التى جاء بها القرآن والسنة، والتى استخدمها علماء السلف في العصر الأول؟.

ويعلل هؤلاء نشوء ما يسمى بمذهب " الخلف " أو " علم الكلام " بأنه لما كثرت الشبهات التي تثار ضد العقيدة الإسلامية، رأى علماء الإسلام أنه لا يكفى للرد عليها وإبطالها وحماية الناس- وخاصة العامة منهم- من شرورها وآثارها لا يكفي في ذلك الاعتماد على مذهب السلف النصي، فنشأ علم الكلام بمباحثه العقلية والكلامية ليرد الشبهات ويثبت العقيدة ويظهر الحجاج لها في أجواء سادت فيها مذاهب الفلاسفة والجهممية والمعتزلة والقرامطة.

فهل فهم هؤلاء لمذهب السلف كان صحيحا؟ حين قصروه على الإيمان بالنصوص والتسليم دون فهم أو اقتناع؟

ج-) وتأتي فئة أخرى تزعم أن ما نشأ من الدراسات العقلية في علم الكلام لم ينشأ من المؤثرات الخارجية والشبهات التى أثارها أعداء العقيدة- وإن كان قد تطور بسببها- وإنما نشأ من مذهب السلف نفسه وأن بواكير الفلسفة الاسلامية وعلم الكلام إنما جاءت من القرآن الكريم، ففيه المجادلة للمخالفين من أهل الديانات الأخرى وغيرهم، وفيه ذكر الحكمة التي كانت


(١) كما هو منتشر في كتب كثير من الأشعرية وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>