للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المثبتين لذلك- كيف تصرف في كلامه تصرفا يشبه تصرفه في ألفاظ النصوص الواردة في إثبات ذلك كما فعله في كتابه تأويل شكل النصوص، فكان هواه في النفي يمنعه من تتبع ماجاء في الاثبات من كلام أئمته وغيرهم، وكذلك فيما نقله من كلام الأشعري كيف زاد فيه ونقص مع أن المنقول نحو ورقتين (١) ، فلعله قد عمل ذلك فيما نقله من كلام ابن كلاب، إذ لم نجد نحن نسخة الأصول التي نقل منها، حتى نعلم كيف فعل فيها. وفيما نقله تحريف بين، لكن مأخذه في ذلك مأخذ من ينسب فتاويه وعقائده إلى السنة والشريعة النبوية لظنه أن هذا هو الحق الذي لا تأتي بخلافه، فكذلك هو يظن أن مازاده ونقصه يوجبه بعض أصول ابن كلاب والأشعري، وإن كان فيما ظهر من كلامهما خلافه، وهذا أصل معروف لكثير من أهل الكلام والفقه يسوغون أن ينسب إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - نسبة قولية توافق ما اعتقدوه من شريعته حتي يضعوا أحاديث توافق ذلك المذهب ولينسبونها إلي النبي، لكن ابن فورك لم يكن من هؤلاء (٢) ، وإنما هو من الطبقة الثانية الذين ينسبون إلي الأئمة ما يعتقدون هم أنه الحق فهذا واقع في كثير من طائفته، حتي أن في زماننا في بعض المجالس المعقودة قال كبير القضاة: إن مذهب الشافعي المنصوص عنه كيت وكيت، وذكر القول الذى يعلم هو وكل عا لم أن الشافعي لم يقله، ونقل القاضيان الآخران عن أبي حنيفة ومالك مثل ذلك، فلما روجع ذلك القاضي قيل له: هذا الذى نقلته عن الشافعي من أين هو؟، أى أن الشافعي لم يقل هذا، فقال: هذا قول العقلاء، والشافعي عاقل لا يخالف العقلاء، وقد رأيت في مصنفات طوائف من هؤلاء ينقلون عن أئمة الإسلام المذاهب التي لم ينقلها أحد عنهم لاعتقادهم أنها حق، فهذا أصل ينبغى أن يعرف.

" ومن أسباب ذلك أيضا أن الأشعري ليس له كلام كثير منتشر في تقرير مسألة العرش والمباينة للمخلوقات، كما كان لابن كلاب إمامه، وذلك لأنه تصدى للمسائل التي كان المعتزلة تظهر الخلاف فيها كمسألة الكلام والرؤية وانكار القدر والشفاعة في أهل الكبائر ونحو ذلك، وأما العلو فلم يكونوا يظهرون


(١) يشير ابن تيمية الى ماسبق من مناقشة (ص: ٥٤-٥٥) من الجزء الأول المخطوط.
(٢) انظر: الحاشية فى الصفحة السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>