وفي العصر الحاضر نشأت إضافة إلى الفرق والطوائف القديمة- تيارات فكرية متعددة، ومذاهب وفلسفات متباينة، ومن ثم أصبح تحديد المنطلق والمنهج والأصول أكثر إلحاحا وأشد حاجة من ذي قبل، خاصة مع كثرة التدليس والتلبيس، ومحاولة إخضاع الأصول والنصوص الإسلامية لتوافق كثيرا من النظريات والمذاهب السائدة أو التى يريد لها أعداء الاسلام أن تسود.
وأخطر ما يواجه مسيرة المسلمين اليوم- إذا صرف النظر عن التيارات الإلحادية الصريحة، والمذاهب الباطنية، وما شابهها مما هو صريح في إلحاده وبعده عن حقيقة الإسلام- تياران كبيران:
أحدها: تيار القوميين والعلمانيين، الذين لا يرفضون الإسلام صراحة، ولكنهم يجعلونه ضمن دائرة خاصة لا يتعداها، وذلك بجعله جزءا من التراث- كما يسمونهـ بحيث يشمل كل الفلسفات والأفكار والتقاليد والمناهج والنظم- سواء وجدت قبل الإسلام أو بعده، وسواء كانت موافقة لأصول الإسلام أو مخالفة، ما دام يدخل ضمن دائرة تراث هذه الأمة التي ينتسبون إليها. وهؤلاء ينظرون إلى الاسلام نظرة إكبار وإعزاز لا لأنه دين الله الذي لا يقبل من أحد سواه، وبه النجاة من عذابه يوم القيامة، وإنما لأنه أحد معطيات تراث الأمة القومي. ومن هؤلاء من يريد حصر الإسلام في جانب ضيق من حياة الإنسان، بحيث يبقى ضمن نطاق محدود من إقامة الشعائر التعبدية، والأحوال الشخصية، والالتزام الفردي بأخلاقياته ومحاسن آدبه، أما نواحي الحياة المختلفة فالأمر فيها متروك للأمة أن تستفيد من النظم والقوانين المختلفة، ومناهج التربية المتعددة، من الشرق أو الغرب ولو كانت مخالفة للاسلام وهذا ما يتبناه العلمانيون وأضرابهم.
وهذا التيار غالبا ما يحمل أفراده أفكارا وفلسفات غريبة وفاسدة لها تصورها الخاص ومنطلقاته العقدية التي تغلب جانب العقل وتعلي من شأنه، وغالبا ما تكون لها جذور فلسفية أو كلامية سابقة تنطلق منها، أو تستفيد من آثارها وكتبها.
والذي يميز هؤلاء عداؤهم للسلف أهل السنة والجماعة، ومن يدعو إلى العودة إلى عقيدتهم ومنهجهم، ووصمهم لهم بعبارات الاحتقار والازدراء وقلة