للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مترفيها} [الإسراء: ١٦] وقوله: {إنما قولنا (١) لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل: ٤٠] ، ليس ذلك ببدء منه لحدوث إرادة حدثت له ولا أن يستأنف مشيئة لم تكن له، وذلك فعل الجاهل بالعواقب الذى يريد الشيء وهو لايعلم العواقب، فلم يزل تعالى يريد ما يعلم أنه يكون، لم يستحدث إرادة لم تكن، لأن الارادات إنما تحدث على قدر مالم يعلم المريد، فأما من لم يزل ما يكون ومالا يكون من خير وشر فقد أراد على علم لا يحدث له بداء إذا كان لا يحدث فيه علم به" (٢) ، والمحاسبي يقرر مسألة أزلية صفات الله تعالى لينفي ما يتعلق بمشيئة الله تعالى من صفات الأفعال، ولذلك يقول معلقا على الآية: {إذا اردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل:٤٠] ، وقوله: {وإذا أدرنا أن نهلك قرية..} [الإسراء:١٦] : "فإنه لم يزل يريد، قبل أن يحدث الشيء أن يحدثه في وقت إحداثه، فلم يزل يريد احداثه في الوقت المؤخر، فإذا جاء الوقت فهو أيضا يريد أن يحدثه فيه، فبإرادته أحدثه في ذلك الوقت الذى فيه أحدثه، فإرادة الله جل وعز دائمة لأنه مريد قبل الوقت الذى يحدث فيه المخلوقات، وفي الوقت الذى أحدثه فيه ... " (٣) ، ولا يحتاج هذا الى تعليق سوى التناقض الذى يفيده قوله " فإذا جاء الوقت فهو أيضا يريد أن يحدثه فيه" لأن هذه الإرادة إن كانت هي الإرادة الأزلية فلا فائدة من قوله هذا، وإن كانت إرادة حادثة نقض قوله.

ج- ومما يدل على كلابيته ونفيه الصفات الاختيارية أن تقوم بالله قوله في صفتي السمع والبصر:" وكذلك قوله عز وجل: {إنا معكم مستمعون} [الشعراء:١٥] ليس معناه احداث سمع، ولا تكلف لسمع مايكون من المتكلم في وقت كلامه، وانما معنى (انا معكم مستمعون) ، {فسيرى الله عملكم} [التوية:٩٤] أي المسموع والمبصر لن يخفي على سمعي ولا على بصرى أن أدركه


(١) في المطبوعة: أمزنا، وهو خطأ.
(٢) فهم القرآن (ص:٣٤٠- ا ٣٤) .
(٣) المصدر نفسه (ص: ٣٤٢-٣٤٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>