للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا منه غلط، من قبل [أن] صعود الكلم الطيب إليه على معنى صعود من سفل إلى علو، لاستحالة ذلك في الكلام لكونه عرضاً لا يبقى، وكذلك العمل الصالح وإنما معنى صعود الكلام إليه قبوله، ووقوعه منه موضع الجزاء والثواب، وقوله: (يرفعه) لا على معنى رفع من مكان إلى مكان، ولكن رفع له على معنى أنه قد تقبل، وأن الكلام إذا اقترن به العمل الصالح قُبلاً دون أن ينفرد الكلام من العمل. وأما قوله تعالى في قصة عيسى {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} ، فمعناه: رفعه إلى الموضع الذي لا يعبد فيه إلا الله، ولا يذكر فيه غيره، لا على معنى أنه ارتفاع إليه كما يرتفع الجسم من سفل إلى جسم في علو، بأن تقرب منه بالمسافة والمساحة" (١) .

د - ويشير في مواضع أخرى إلى تأويله للعلو والفوقية (٢) .

هذا في كتابه الذي وصل إلينا كاملاً، وقد ذكر شيخ الإسلام - نقلاً عن كتابه في أصول الدين - ما يدل على إثبات العلو والاستواء، وأنه قال فيه: "وإن سألت أين هو فجوابنا: أنه في السماء كما أخبر في التنزيل عن نفسه بذلك فقال - عز من قائل - {أأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (الملك:١٦) ، وإشارة المسلمين بأيديهم عند الدعاء في رفعها إليه، وإنك لو سألت صغيرهم وكبيرهم فقلت: أين الله؟ لقالوا: إنه في السماء ولم ينكروا لفظ السؤال بأين، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل الجارية التي عرضت للعتق فقال: أين الله؟ فقالت: في السماء: مشيرة بها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتقها فإنها مؤمنة، ولو كان ذلك قولاً منكراً لم يحكم بإيمانها ولأنكره عليها، ومعنى ذلك أنه فوق السماء، لأن في معنى فوق، قال الله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} (التوبة:٢) أي فوقها (٣) ، وقال عن الاستواء" فإن قال: فعلى ما هو اليوم؟ قيل له: مستو على العرش كما قال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:٥) (٤) .


(١) مشكل الحديث (ص: ١٨٨) .
(٢) انظر: المصدر نفسه (ص: ١٧٨-٢١٦، ٢١٨) .
(٣) أصول الدين لابن فورك - عن مجموع الفتاوي - (١٦/٩٠) .
(٤) المصدر السابق (ص: ١٦/٩٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>