للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦- وهذا الذي ذكره الغزالي في كتبه هو ما يؤكده تلاميذه ومنهم ابن العربي الذي يقول عنه -بعد أن لقيه وتتلمذ عليه - " ولا ينكر أحد من الإسلاميين، لا من الفقهاء، ولا من المتكلمين، أن صفاء القلب وطهارته مقصود شرعي، إنما المستنكر أن صفاءه يوجب تجلي العلوم فيه بذته " (١) ، ثم يقول - بعد ذكر الطائفة الثانية من المتصوفة كالمحاسبي والقشيري -: " ونجمت في آثارهما أمم انتسبت إلى الصوفية، وكان منها من غلا وطفف، وكاد الشريعة وحرف، وقالوا - كما تقدم - لا ينال العلم إلا بطهارة النفس، وتزكية القلب، وقطع العلائق بينه وبين البدن، وحسم مواد أسباب الدنيا من الجاه والمال، والخلطة بالجنس، والإقبال على الله بالكلية، علماً دائماً مستمراً حتى تنكشف له الغيوب، فيرى الملائكة ويسمع أقوالها، ويطلع على أرواح الأنبياء ويسمع كلامهم، ووراء هذا علو ينتهي بمشاهدة الله، يدخلونه في باب الكرامات إذ كان من المجوزات "، ثم قال: " ولقد فاوضت فيها أبا حامد الغزالي حين لقائي له بمدينة السلام في جمادى الآخر سنة تسعين وأربعمائة، وقد كان راضَ نفسه بالطريقة الصوفية من سنة ست وثمانين ... فسألته سؤال المسترشد عن عقيدته المستكشف عن طريقته، لأقف من سر تلك الرموز التي أومأ إليها في كتبه، مرتبته، وسمو منزلته، وما ثبت له في النفوس من تكرمته؛ فقال لي من لفظه، وكتبه لي بخطه: إن القلب إذا تطهر عن علاقة البدن المحسوس، وتجرد للمعقول انكشفت الحقائق، وهذه أمور لا تدرك إلا بالتجربة لها عند أربابها، بالكون معهم والصحبة لهم، ويرشد إليه طريق من النظر وهو: أن القلب جوهر صقيل، مستعد لتجلي المعلومات فيه، عند مقابلتها عرياً عن الحجب، كالمرآة في ترائي المحسوسات عند زوال الحجب "، ثم يقول ابن العربي: " قال لي: وقد تقوى النفس، ويصفو القلب حتى يؤثر في العوالم، فإن للنفس قوة تأثيرية


(١) العواصم من القواصم (ص: ٢٢-٢٣) - ت عمار الطالبي -.

<<  <  ج: ص:  >  >>