للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن مما يلفت الانتباه في تصوف الرازي - والصوفية تقول بالجبر في القدر لاستغراقهم في توحيد الربوبية - أنه صرح بالقول بالجبر فقال: " فثبت بهذا أن أفعال العباد بقضاء الله وقدره، وأن الإنسان مضطر باختيار، وأنه ليس في الوجود إلا الجبر " (١) ، وقال: " إن صدور الفعل عن العبد يتوقف على داعية يخلقها الله تعالى، ومتى وجدت تلك الداعية كان الفعل واجب الوقوع، وإذا كان كذلك كان الجبر لازماً (٢) ، بل قال في شرح الإشارات: "إن العارف لا يكون له همة في البحث عن أحوال الخلق، ولا يغضب عند مشاهدة المنكر لعلمه بسر الله في القدر" (٣) ، وبذلك يلتقي مع غلاة الصوفية في مقالاتهم الخطيرة، وأحوالهم المبطلة للشرائع.

خامساً: حيرته وتناقضه، ورجوعه.

يعتبر الرازي من أكثر الأشاعرة اضطراباً في أقواله، وهذا بالنظر إلى مجمل أقواله في جميع كتبه، ومن يتتبع الدراسة التي قام بها الزركان يرى ذلك واضحاً في كل مسألة من المسائل التي ذكرها، وهي كثيرة جداً، كما أنه في بعض المسائل أعلن حيرته أو شكه، وفي آخر أمره رجع إلى طريقة القرآن وفضلها، ولعل من أسباب هذه الأمور في منهجه خوضه في المسائل الفلسفية والكلامية، وتقريره لكل مسألة بالأدلة التي أوردها أصحابها وزيادته على ذلك بأدلة من عنده يرى أنها تصلح أن تكون دليلاً لهم، ولذلك قال في مقدمة المباحث المشرقية بعد أن بين أنه لخص أقوال الفلاسفة واجتهد في تحريرها: " ثم نضم إليه أصولاً وفقنا الله إلى تحريرها وتحصيلها وتفصيلها مما لم يقف عليه أحد من المتقدمين ولم يقدر على الوصول إليه أحد من السالكين" (٤) ، ويقول في نهاية العقول


(١) المباحث المشرقية (٢/٥١٧) .
(٢) المحصول في أصول الفقه (ج- ١ ف ٢ ص ٣٨٠) ، وكلام الرازي هنا مع قوله في النص السابق: أن الإنسان مضطر باختيار كأن فيه إشارة إلى أن كسب الأشعري نوع من القول بالجبر، ومن ثم فإن الرازي لا يمانع مع ذلك من التصريح بلفظ الجبر، بل يراه لازماً.
(٣) شرح الإشارات (٢/١٢٣) .
(٤) المباحث المشرقية (١/ ٤-٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>