للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه من السعي فيهم والانتقام منهم، ولكن الأمر لم يكن كذلك، بل صار له معهم موقفان، دالان على أدب وخلق رفيع:

أحدهما: عملي، حيث كان يدعو لهم، ويأتي الانتصار لنفسه - في حالة تمكنه من ذلك - وقد سبق تفصيل ذلك عند الحديث عن محن ابن تيمية في ترجمته، وهي مواقف تدل على نفس كريمة وتسامح عجيب.

والثاني: موقف نظري، عند مناقشته لهم، حيث كان يعتذر لهم، ويبين أنهم كانوا يقصدون الحق وأنهم مجتهدون، انظر إلى مثل قوله فيهم: " وأكثر الطالبين للعم والدين ليس لهم قصد من غير الحق المبين، لكن كثر في هذا الباب الشبه والمقالات، واستولت على القلوب أنواع الضلالات، حتى صار القول الذي لا يشك من أولي العلم والإيمان أنه مخالف للقرآن والبرهان، بل لا يشك في أنه كفر بما جاء به الرسول من رب العالمين، قد جعله كثير من أعيان الفضلاء أنه من محض العلم والإيمان، بل لا يشك في أنه مقتضى صريح العقل والعيان، ويظنون أنه مخالف لقواطع البرهان ".

" ولهذا كنت أقول لأكابرهم لو وافقتكم على ما تقولونه لكنت كافراً مريداً (١) ، لعلمي بأن هذا كفر بيّن، وأنتم لا تكفرون لأنكم من أهل الجهل بحقائق الدين، ولهذا كان السلف والأئمة يكفرون الجهمية في الإطلاق والتعميم وأما المعين منهم فقد يدعون له ويستغفرون له، لكونه غير عالم بالصراط المستقيم، وقد يكون العلم والإيمان ظاهراً لقوم دون آخرين، وفي بعض الأمكنة ولأزمنة دون بعض، بحسب ظهور دين المرسلين " (٢) .

وقد مدح شيخ الإسلام القاضي بدر الدين ابن جماعة وأيده (٣) ، ونقل السبكي في طبقاته أن تقي الدين ابن تيمية كان كثيراً ما يثني على والده تقي الدين السبكي، وأنه: " كان لا يعظم أحداً من أهل العصر كتعظيمه له" (٤) ،


(١) كذا ولعله: مرتداً.
(٢) نقض التأسيس المخطوط (١/٥-٦) .
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٣/٢٤٣) ، وما بعدها.
(٤) طبقات الشافعية للسبكي (١٠/١٩٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>