للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في التسعينية جهل الجويني بالسنة وأقوال سلف الأمة فيقول في معرض مناقشته له حول الصفات الخبرية وغيرها: " وأبو المعالي يتكلم بمبلغ علمه في هذا الباب وغيره، وكان بارعاُ في فن الكلام الذي يشترك فيه أصحابه والمعتزلة - وإن كانت المعتزلة هم الأصل فيه - لكثرة مطالعته لكتب أبي هاشم ابن الجبائي، فأما الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وقول أئمتها فكان قليل المعرفة بها جداً، وكلامه في غير موضع يدل على ذلك، ولهذا تجده في عامة مصنفاته في أصوله وفروعه إذا اعتمد على قاطع فإنما هو ما يدعيه من قياس عقلي أو إجماع سمعي، وفي كثير من ذلك ما فيه، فأما الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وأئمتها فهو قليل الاعتماد عليها والخبرة بها " (١) ، ثم ذكر مثالاً في رده على الآجري، وبيان أبي عبد الله القرطبي ما في رد الجويني على الآجري من التحامل، ثم ناقش شيخ الإسلام كلام الجويني من وجوه عديدة (٢) ،

ثم قال: " ومن العجب أن الآجري يروي في كتاب الشريعة له من طريق مالك والثوري والليث وغيرهم، فلو تأمل أبو المعالي وذووه الكتاب الذي أنكروه لوجدوا فيه مايخصهم، ولكن أبو المعالي مع فرط ذكائه وحرصه على العلم وعلو قدره في فنه، كان قليل المعرفة بالآثار النبوية، ولعله لم يطالع الموطأ بحال حتى يعلم ما فيه، فإنه لم يكن له بالصحيحين -البخاري ومسلم - وسنن أبي داود والنسائي والترمذي، وأمثال هذه السنن علم أصلاً، فكيف بالموطأ ونحوهن وكان مع حرصه على الاحتجاج في مسائل الخلاف في الفقه إنما عمدته سنن أبي الحسن الدارقطني، وأبو الحسن مع تمام إمامته في الحديث فإنه إنما صنف هذه السنن كي يذكر فيها الأحاديث المستغربة في الفقه، ويجمع طرقها، فإنها هي التي يحتاج فيها إلى مثله، فإما الأحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما فكان يستغني عنها في ذلك، فلهذا كان مجرد الاكتفاء بكتابه في هذا الباب يورث جهلاً عظيماً بأصول الإسلام، واعتبر ذلك بأن كتاب أبي المعالي الذي هو نخبة عمره: " نهاية المطلب في دراية المذهب " ليس فيه حديث واحد معزو إلى صحيح البخاري إلا حديث واحد


(١) التسعينية (ص: ٢٤٣-٢٤٤) .
(٢) انظر: المصدر السابق (ص: ٢٤٤-٢٥١) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>