للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغالبهم يرى أن إمامة أحذق في ذلك منه، ولهذا تجدهم عند التحقيق مقلدين لأئمتهم فيما يقولون إنه من العقليات المعلومة بصريح العقل" (١) ، ويستشهد شيخ الإسلام لذلك بنماذج تبين أن هؤلاء يعتقدون أن أئمتهم أعلم وأحذق، ولذا فهم يحيلون عليهم في الأمور التي لا يفهمونها، وربما يرون أن عقولهم تعارضها لكنه يهاب مخالفة إمامه، يقول شيخ الإسلام: " تجد أتباع أرسطو ليس يتبعونه فيما ذكره من المنطقيات والطبيعيات والإليهات، مع أن كثيراً منهم قد يرى بعقله نقيض ما قاله أرسطو، وتجده لحسن ظنه به يتوقف في مخالفته، أو ينسب النقص في الفهم إلى نفسه. ز ثم يقول شيخ الإسلام: " بل هذا موجود في أتباع أئمة الفقهاء وأئمة شيوخ العبادة، كأصحاب أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وغيرهم، تجد أحدهم دائماً يجد في كلامهم ما يراه هو باطلاً، وهو يتوقف في رد ذلك، لاعتقاده أن إمامه أكمل منه عقلاً وعلماً وديناً، هذا مع علم كل من هؤلاء أن متبوعه ليس بمعصوم، وأن الخطأ جائز عليه؟ " (٢) .

والعجيب أن هؤلاء المقلدين لأئمتهم لا يقول أحدهم أبداً: إذا تعارض قولي مع قول إمامي قدمت قولي على قوله، فكيف يقول: إذا تعارض عقلي أو عقل فلان مع الكتاب والسنة وجب تقديم العقل عليه؟

ب - أن كل طائفة تدعي أن ما عندها معلوم بالأدلة العقلية القطعية ومن نظر في أقوال وأدلة الفلاسفة، والجهمية، والمعتزلة، والرافضة، وغيرهم فسيجد أن كل طائفة من هؤلاء تدعي أن قولها ومذهبها قائم على الأدلة العقلية أو السمعية الصحيحة، وأن من خالفها من سائر الطوائف متناقضون مخالفون لصريح العقل أو السمع، بل الأمر أشد من ذلك فإن الطائفة الواحدة يقع بين أئمتها وأصحابها من الاختلاف والتباين ما هو معلوم مشهور وكل واحد من هؤلاء يدعي أن ما عنده قائم على الأدلة الصحيحة، وكل ما كانت الطائفة أبعد عن السلف كان اختلاف أقوالها أكثر.


(١) انظر: درء التعارض (١/١٥١) .
(٢) انظر: المصدر السابق (١/١٥١-١٥٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>