الشافعية: لأبين أن ما ذكرته من قول السلف وقول أئمة أصحاب الشافعي، وأذكر قول الأشعري، وأئمة أصحابه التي ترد على هؤلاء الخصوم، ولينتصر كل شافعي، وكل من قال بقول الأشعري الموافق لمذهب السلف، وأبين أن القول المحكى عنه في تأويل الصفات الخبرية قول لا أصل له في كلامه، وإنما هو قول طائفة من أصحابه، فللأشعرية قولان ليس للأشعري قولان " (١) .
والأشاعرة المتأخرون في أوقات محنهم يلجأو إلى أقوال أئمتهم، ينقلونها ويستشهدون بها ليبينوا سلامة معتقدهم وصحة مذهبهم، وهذا ما فعله القشيري في الشكاية المشهورة، وابن عساكر في تبيين كذب المفتري.
ولاشك أن المنهج الذي سلكه شيخ الإسلام في الرد على أقوال المتأخرين: بأقوال شيوخهمن الذي يعتزون بالانتساب إليهم له قيمته الكبرى وأثره البالغ لأمرين:
أحدهما: أن هذه النقول أتى بها شيخ الإسلام موثقة، ومنقولة بحروفها من كتبهم المشهورة التي تناقلها المتأخرون واعتزوا بها، ونقلوا عنها ما يوافق أقوالهم من المسائل التي لم يختلف فيه قول متقدمي الأشاعرة عن قول متأخريهم، ولذلك لم يستطع أحد منهم الطعن فيما نقله شيخ الإسلام، ولم يقل: إن هذا منسوب إلى أئمتهم، أو إنه حكاية لمذهبهم - كما تحكي بعض كتب الفرق أقوال الطوائف، وقد يكون في الحكاية زيادة أو نقص، وتقديم أو تأخير يخل المعنى - ولاشك أن الأمانة والمنهج العلمي الذي وفق إليه شيخ الإسلام، جعل أعداءه ومعارضيه يرضحون له في ذلك مع حرصهم الشديد على النيل منه ومن أقواله وكتبه، ولتوضيح ذلك يمكن ذكر هذين المثالين:
المثال الأول: قال بعض متأخري الأشعرية: إن للأشعري في الصفات الخبرية قولين: قول بالتأويل، وقول بالإثبات، فلما جاء شيخ الإسلام - وهو المطلع على كتب الفرق - أوضح مراراً أنه ليس للأشعري فيها إلا قول واحد هو الإثبات، وأتى بالدلالة على ذلك من كتبه، أما الذين يزعمون أن له قولاً آخر فحتى الآن لم ينقل أحد منهم نصاً من كتب الأشعري يدل على ذلك.
(١) مناظرة حول الواسطية، مجموع الفتاوي (٣/١٨٨-١٩٠) ، والعقود الدرية (ص: ٢٤١-٢٤٢) .