للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجب تناهيها على امتناع حوادث لا أول لها. يقول شيخ الإسلام معلقا على هذه المقدمات العقلية مبينا كيف طعن فيها علماؤهم: "وغاية هؤلاء أن الأعراض لا تبقى زمانين، وجمهور العقلاء يخالفون في ذلك. وأن الأفعال يجب تناهيها، وقد علم نزاع العقلاء فيها، وجمهورهم يمنعون امتناع تناهيها من الطرفين (١) .

وقد ذكرنا اعتراض الأرموي وغيره على شيوخه في هذه المقدمات، وقد سبقه إلى ذلك الرازي وغيره، وقدحوا فيها قدحا بينوا به فسادها على وجه لم يتعرضوا عليه وإن كان الرازي يعتمدها في مواضع أخر، فنظره استقر على القدح فيها.

وكذلك الأثير الأبهري في كتابه المعروف "بتحرير الدلائل في تقرير المسائل " هو وغيره قدحوا في تلك الطرق وبينوا فساد عمدة الدليل، وهو بطلان حوادث لا أول لها " (٢) .

وإذا كان الأمر كذلك فإن الأدلة العقلية التي هي عماد المذهب الأشعري طعن فيها بعض أعلامهم. وبذلك لم يأت رد المذهب ونقضه من خارج رجاله حتى يقال: إن هذه حال جميع الطوائف يرد بعضها على بعض، بل جاء الرد والنقض من داخل المذهب ومن رجال يعتبرون من العمد التي يرتكز عليها أتباع المذهب كل في زمنه وعصره.

وهناك أمثلة أخرى (٣) . وهي تدل مع ما سبق على أن شيخ الإسلام كان صاحب منهج متميز، تأتي ردوده مركزة ومقصودة وموثقة، ولم تكن ردودا عفوية يأتي بها من خلال المناقشة، خاصة في مثل هذه الطريقة التي تقتضي جمع الأقوال من المصادر المختلفة، وبيان كيف ينقض بعضها بعضا، ويرد بعضهم على بعض.


(١) أي الماضي والمستقبل، فيقولون: إنها تتناهى في الماضي، ولا تتناهى في المستقبل لأن نعيم الجنة لا ينفد.
(٢) درء التعارض (٦/١٨٥) ، وانظر (٨/١٥٧) .
(٣) انظر مثلا: درء التعارض (٥/٢٩٠) حيث إن كلام الرازي يرد على الجويني في مسألة أول واجب على المكلف، وانظر أيضا: شرح الأصفهانية (ص: ٣٥-٣٦) ، وكيف كان أبو حامد الأسفراييني يرد على الباقلاني في مسألة كلام الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>