للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه أهم المسالك التي ذكرها الأشاعرة لإثبات الصانع، وقد أوردها شيخ الإسلام، وبين ما فيها من حق وباطل، فرد الباطل ونقضه، وأيد الحق (١) ، ومحصه إن كان قد تلبس به بعض الباطل. ومن ذلك يتبين مبلغ إنصافه لخصومه، وقبوله للحق ممن جاء به، ولذلك قال بعد مناقشات مطولة للأشاعرة: "وليس العلم بإثبات الصانع سبحانه مفتقرا إلى شيء من الطرق المبتدعة وإن كانت صحيحة، فكيف اذا كانت باطلة؟ لكن الرجل إذا استدل على الحق بدليل صحيح لم يكن هذا مذموما مطقا، كما تجد كثيرا من أهل الحديث، والصوفية، والمتفقهة يعيبون من أقام دليلا عقليا صحيحا على بعض المطالب الدينية، ويجعلون هذا من الكلام المذموم، وليس الأمر كما يقوله هؤلاء، بل الدليل الصحيح مقبول وإن لم يعلم استدلال غيره به، لكن قد يذم لأسباب؛ مثل أن يكون فيه خطر، وغيره مغن عنه، كمن سلك إلى مكة الطريق البعيد (٢) المخوفة مع إمكان القرينة الأمينة، وكذلك إذا رد الباطل بممانعة صحيحة، أو معارضة صحيحة. لكن المذموم أن يدعي صحة الباطل، أو يتوقف الإيمان على بدعة ما شرعها الله تعالى ورسوله، فكيف إذا اجتمعا جميعا، كما زعم هؤلاء حيث قالوا: لا يمكن تصديق الرسول-صلى الله عليه وسلم- إلا بما ذكروه من الطرق النظرية التي ابتدعوها (٣) ".

ويلاحظ أن شيخ الإسلام سبق أن ذكر أن أعظم الطرق لإثبات الصانع طريقة القرآن التي تقوم على الاستدلال بذوات المحدثات والمخلوقات على خالقها، قال تعالى: "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ" [الطور: ٣٥] ، كما سبق بيان أن الإيمان بالصانع والإقرار به أمر فطري، فدليله ضروري وأن كثيرا من الأشاعرة صرح بذلك (٤) .


(١) انظر مثلا: تأييده للشهرستاني فيما ذكره في إثبات الصانع. في درء التعارض (٣/١٢٨-١٣٧) .
(٢) كذا، ولعل الجواب: البعيدة.
(٣) شرح الأصفهانية (ص: ٣١٧) - ت السعوي-.
(٤) انظر ما سبق (ص: ٨٦٧-٨٦٨) ، وانظر أيضا: درء التعارض (١/٩١-٩٢، ٨/١٥٥) . وانظر: كلام شيخ الإسلام الطويل حول الفطرة في درء التعارض (٨/٣٥٩) إلى آخر الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>