المسكوت فى مثله كقول معاذ لعمر لما رأى جلد الحامل: ما جعل اللَّه على ما فى بطنها سبيلًا، فقال عمر: لولا معاذ لهلك عمر، وكقول امرأة لما نفى المغالاة فى المهر: أيعطينا اللَّه بقوله: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا}[النساء: ٢٠]، ويمنعنا عمر، فقال: كل أفقه من عمر حتى المخدرات فى الحجال، وكقول عبيدة لعلى -لما قال:"تجدد لى رأى فى أمهات الأولاد أنهن يبعن": "رأيك فى الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك". وغير ذلك مما توقف عليه التتبع لآثارهم.
قال المخالف الآخر -وهو القائل بأنه إجماع-: سكوتهم دليل ظاهر فى موافقتهم فكان إجماعًا.
الجواب: الظهور لا يكفى فى كونه إجماعًا قطعيًا بل فى كونه حجة، ونقول به.
وقال الجبائى: قبل انقراض العصر الاحتمالات المذكورة قوية، فلا يكون إجماعًا، وأما بعده فيضعف الاحتمال فيكون ظاهرًا فى الموافقة، فيكون إجماعًا.
والجواب: ما قلنا، قال ابن أبى هريرة: العادة فى الفتيا أنها تخالف ويبحث عنها دون الحكم، فإن كلًا يحكم بما يراه فيتبع ولا يخالف كما ترى فى عصرنا، وأيضًا الحاكم كتاب ويوقر دون المفتى.
الجواب: أن ذلك بعد استقرار المذاهب وقد فرضنا المسألة فيما قبل استقرارها والفتيا والحكم حينئذٍ سواء لأن إنكار الحكم إنكار للفتيا، واعلم أن هذا كله إذا أفتى وانتشر بين أهل عصره ولم ينكر وأما إذا لم ينتشر فعدم الإنكار لا يدل على الموافقة قطعًا، وبه قال الأكثر لأنه يجوز أن لا قول لهم فيه أو لهم قول مخالف لم ينقل بخلاف ما تقدم، وأن ذلك إذا كثر وتكرر وكان فيما تعم به البلوى ربما أفاد القطع.
قوله:(فإجماع أو حجة) قال العلامة: إنما ردد فيه لأن أحدهما ثابت ضرورة لما سيجئ وهذا مذهب أبى هاشم أنه حجة وليس بإجماع قطعى وهو الذى اختاره المصنِّفُ وصرح به فى المنتهى.
قوله:(وعنه خلافه) قيل أى حجة لا إجماع وقيل أى حجة وإجماع وهذا أقرب لكونه مذهبًا لبعض الشافعية وقيام الدليل عليه بخلاف الأول وحينئذٍ ينتهض دليل