للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجواب: لا نسلم أنه كذبهم فى ذلك بل فى شهادتهم إما لإشعارها عرفًا بالعلم لأن من قال أشهد بكذا تضمن أنى أقوله عن علم وإن كانت الشهادة بمجردها تحتمل العلم والزور، وتقيد بهما لغة وإما لأنهم زعموا شهادتهم بذلك مستمرة غيبة وحضورًا، وفيه وجوه أخر بيناها فى علم المعانى والذى يحسم النزاع الإجماع على أن اليهودى إذا قال الإِسلام حق حكمنا بصدقه، وإذا قال خلافه حكمنا بكذبه، وهذه المسألة لفظية، لا يجدى الإطناب فيها كثير نفع.

قوله: (والثانى فيهما) أى فى المطابق واللامطابق وهو المطابق الذى ليس مع اعتقاد المطابقة سواء كان مع اعتقاد اللامطابقة أو خاليًا عن مطابق الاعتقاد واللامطابق الذى ليس مع اعتقاد اللامطابقة سواء كان مع اعتقاد المطابقة أو مجردًا عن الاعتقاد وبهذا يظهر أن أقسام الخبر ستة، واحد صدق وواحد كذب وأربعة واسطة.

قوله: (وقد صرح وابن فى الكذب عنه) يعنى أن هذه المقدمة مطوية لظهورها فيندفع ما ذكره العلامة من أنه لا وجه لترتب قوله فلا يكون صدقًا على الحصر وكأنه سقط من القلم شئ، كما قال فى المنتهى: فلا يكون الثانى كذبًا لتقدمه ولا صدقًا لأنهم لا يعتقدونه فإن قيل لا يلزم من عدم اعتقاد الصدق عدم الصدق، قلنا المراد أنهم لم يقصدوا بقولهم: {أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: ٨]، أم صدق ولم يعبروا بالجنة عن الصدق، فالاستدلال بعدم اعتقادهم الصدق ليس على عدم الصدق بل على عدم إرادتهم الصدق وهم عقلاء من أهل اللسان عارفون باللغة فيجب أن يكون من الخبر ما ليس بصدق ولا كذب ليصح منهم حمل إخبار النبى عليه السلام بقوله تعالى: {إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [سبأ: ٧] عليه، وإن كان فى نفس الأمر صادقًا وبهذا سقط ما فى بعض الشروح أنه لا يلزم من ثبوت الواسطة فى زعمهم ثبوتها فى نفس الأمر وحاصل الجواب أنا لا نسلم أن الافتراء هو الكذب ليكون الإخبار حال الجنة قسيمًا للكذب فيمتنع قوله كذبًا بل هو أخص من الكذب فالحصر للخبر الكاذب فى نوعيه العمد وغير العمد ولو سلم أن الافتراء هو الكذب مطلقًا فالمعنى أقصد فى هذا الكلام الغير المطابق للواقع فيكون كذبًا أم لم يقصد فلا يكون خبرًا لخلوه عن القصد والشعور المعتد به على ما هو حال كلام المجنون

<<  <  ج: ص:  >  >>