للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (واستدل بظواهر مثل: {فَلَوْلَا نَفَرَ}، لقوله: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢]، {إِنَّ الَذِينَ يَكْتُمُونَ} [البقرة: ١٧٤]، {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: ٦]، وفيه بعد).

أقول: وقد استدل من قبلنا بظواهر لا تفيد إلا الظن ولا يكفى فى المسائل العلمية، منها قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَة لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢]، وجه الاحتجاج أن "لعل" هنا للوجوب لامتناع الترجى عليه تعالى، والطائفة من كل فرقة لا تكون أهل التواتر فقد أوجب الحذر بقول الآحاد وهو بعيد لأن المراد الفتوى فى الفروع سلمنا لكنه ظاهر فلا يجدى فى الأصول ومنها: {إِنَّ الَذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ} [البقرة: ١٧٤] الآية، أوعد بالكتمان لقصد الإظهار، ولولا وجوب العمل به لما كان للإظهار فائدة فلم يصلح مقصودًا للشارع وهو أيضًا بعيد لأن المراد بما أنزل اللَّه القرآن سلمنا لكن أين وجوب العمل، ومنها قوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦]، أمر بالتثبت فى الفاسق فدل على أن العدل بخلافه وهو أيضًا بعيد، لأنه مفهوم المخالفة وهو ضعيفا، وإن سلم فاستدلال بظاهر فى أصل فلا يجدى.

قوله: (ولا يكفى فى المسائل العلمية) إشارة إلى وجه البعد فى الجميع لا يقال: المسألة العلمية وسيلة العمل فيكفى فيها الظن، لأنا نقول: جميع مسائل الأصول كذلك وقد منعوا فيها الاكتفاء بالظن وإنما ذلك فيما يتعلق بكيفية العمل بالذات كمسائل الفقه.

قوله: (لامتناع الترجى) يعنى لما تعذر حمل لعل على حقيقته، التى هى الترجى حملت على أقرب المجازات وهو الطلب فيفيد الإيجاب كالأمر لما مر، وإنما قلنا: إنه أقرب المجازات لأن الترجى وإن لم يكن طلبًا بل توقعًا لكن لا يفهم منه فى حق اللَّه تعالى إلا الطلب.

قوله: (والطائفة) يعنى أن الفرقة اسم للثلاثة فصاعدًا فالطائفة منها تكون واحدًا أو اثنين وبالجملة لا يلزم أن يبلغ حد التواتر وهو المراد بالآحاد.

قوله: (المراد الفتوى فى الفروع) بقرينة التفقه والإنذار فيختص القوم بالمقلدين دون المجتهدين ولو سلم أنه ليس بمراد فلا أقل من احتماله احتمالًا قريبًا ولا يبقى قطعيًا فلا تثبت به الأصول.

<<  <  ج: ص:  >  >>