قال أبو الحسين:(العمل بالظن فى تفاصيل معلوم الأصل واجب عقلًا كالعدل فى مضرة شئ وضعف حائط وخبر الواحد كذلك لأن الرسول بعث للمصالح فخبر الواحد تفصيل لها وهو مبنى على التحسين سلمنا لكنه لم يجب فى العقليات بل أولى سلمنا فلا نسلمه فى الشرعيات، سلمنا وغايته قياس ظنى فى الأصول، قالوا صدقه ممكن فيجب احتياطا، قلنا إن كان أصله المتواتر فضعيف، وإن كان المفتى، فالمفتى خاص، وهذا عام، سلمنا لكنه قياس شرعى، قالوا لو لم يجب لخلت وقائع ورد بمنع الثانية، سلمنا لكن الحكم النفى وهو مدرك شرعى بعد الشرع).
أقول: القائل بأنه يفيد بدليل العقل أما أبو الحسين فقال: الظن فى تفاصيل الجمل المعلوم وجوبها عقلًا فالعمل به واجب عقلًا، بدليل أنه لما كان اجتناب المضار إجمالًا واجبًا قطعًا وجب تفاصيله عقلًا مثل قبول خبر العدل فى مضرة أكل شئ معين فيحكم العقل بأن لا يؤكل وفى انكسار جدار يريد أن ينقض فيحكم العقل بأن لا يقام تحته وما نحن فيه كذلك، لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث لتحصيل المصالح ودفع المضار قطعًا ومضمون خبر الواحد تفصيل له والخبر يفيد الظن به فوجب العمل به قطعًا.
والجواب: أنه مبنى على التحسين والتقبيح بالعقل وقد أبطلناه، سلمناه ولا نسلم أن العمل بالظن فى تفاصيل مقطوع الأصل واجب بل هو أولى للاحتياط ولم ينته إلى حد الوجوب، سلمنا ذلك فى العقليات فلم يجب مثله فى الشرعيات ولا يجوز قياسها عليها لعدم التماثل وهو شرط القياس، سلمناه لكنه قياس فلا يفيد إلا الظن، لجواز كون خصوصية الأصل شرطًا أو خصوصية الفرع مانعًا والمسألة أصولية فلا يجدى فيها الظن.
وأما الباقون فقالوا: أولًا: صدقه ممكن فيجب اتباعه احتياطًا.
والجواب: أنه قياس بغير أصل فإن كان أصله الخبر المتواتر فضعيف لأن المتواتر وجب اتباعه لإفادته العلم لا للاحتياط فالجامع منفى وإن كان أصله فتوى المفتى فضعيف أيضًا لأن الفرق ظاهر وهو أن حكم المفتى خاص بمقلده فيها وحكم خبر الواحد عام فى الأشخاص والأزمان سلمناه لكنه قياس فلا يفيد إلا الظن وهو شرعى لا دليل عقلى وهو خلاف مطلوبكم.
قالوا: ثانيًا: لو لم يجب العمل بخبر الواحد لخلت وقائع كثيرة عن الحكم وهو ممتنع أما الأولى فلأن القرآن والمتواتر لا يفيان بالأحكام بالاستقراء التام المفيد