للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا فى دية الأصابع حيث رأى أنها تتفاوت باعتبار منافعها فتركه لخبر الواحد أنه قال فى كل إصبع عشرة، وكذا فى ميراث الزوجة من دية زوجها وكان يرى أن الدية للورثة ولم يملكها الزوج فلا ترث الزوجة منها فأخبر أن الرسول أمر بتوريثها منها فرجع إليه إلى غير ذلك من الصور التى يشهد بها كتب السير وشاع ذلك وذاع ولم ينكره أحد فكان إجماعًا فإن قيل هذا معارض بأن ابن عباس خالف خبر أبى هريرة، وهو قوله: "توضئوا مما مسته النار" بالقياس فقال: "ألا نتوضأ بماء الحميم، فكيف نتوضأ بما عنه نتوضأ"، وبأن ابن عباس وعائشة رضى اللَّه عنهما خالفا خبره وهو أنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: "إذا استيقظ أحدكم من النوم فلا يغمسن يده فى الإناء فإنه لا يدرى أين باتت يده" بالقياس فقالا: "كيف نصنع بالمهراس؟ "، أى إذا كان فيه ماء ولم يدخل فيه اليد فكيف نتوضأ منه.

الجواب: أنهما لم يخالفاه للقياس بل لاستبعادهما له لظهور خلافه ولذلك صرحا بما يدل على ظهور خلافه فقالا: "فكيف نصنع بالمهراس؟ " ولنا أيضًا حديث معاذ أَخَّر فيه القياس عن الخبر وأقره -صلى اللَّه عليه وسلم- فكان الخبر مقدمًا، ولنا أيضًا أنه لو قدَّم القياس لقدَّم الأضعف واللازم ممتنع إجماعًا، بيان الملازمة أن الخبر يجتهد فيه فى أمرين: عدالة الراوى ودلالة الخبر، والقياس يجتهد فيه فى أمور ستة: حكم الأصل وتعليله فى الجملة، وتعيين الوصف الذى به التعليل، ووجود ذلك الوصف فى الفرع، ونفى المعارضة فى الأصل، ونفيه فى الفرع، هذا إذا لم يكن الأصل خبرًا، فإن كان خبرًا وجب الاجتهاد فى الستة مع الأمرين المذكورين، وهما: العدالة والدلالة، وظاهر أنما يجتهد فيه فى مواضع أكثر فاحتمال الخطأ فيه أكثر، فالظن الحاصل به أضعف، قالوا: الاحتمال فى القياس أقل، فكان أولى، وذلك أن الخبر يحتمل باعتبار العدالة، كذب الراوى وفسقه وكفره وخطأه وباعتبار الدلالة التجوز وباعتبار حكمه النسخ، والقياس لا يحتمل شيئًا من ذلك.

الجواب: أنها احتمالات بعيدة فلا تمنع الظهور وأيضًا فيأتى مثلها فى القياس إذا كان أصله خبرًا وأنتم لا تفصلون فتقدمون القياس مطلقًا فهذا دليلنا فيما يقدّم فيه الخبر، وأما تقديم ما تقدَّم من القياس على الخبر وهو إذا كانت العلة ثابتة بنص راجح ووجودها فى الفرع قطعيًا فلأنه يرجع إلى تعارض الخبرين وأحدهما راجح فيقدم الراجح وأما الوقف فيما أوجبنا فيه الوقف وهو إذا كانت العلة بنص راجح

<<  <  ج: ص:  >  >>