(قال: المعتزلة لما أنكروا كلام النفس، قالوا: قول القائل لمن دونه افعل ونحوه ويرد التهديد وغيره والمبلغ والحاكى والأدنى، وقال قوم صيغة افعل بتجردها عن القرائن الصارفة عن الأمر وفيه تعريف الأمر بالأمر وإن أسقطه بقيت صيغة افعل مجردة، وقال قوم صيغة افعل بإرادات ثلاث: وجود اللفظ، ودلالته على الأمر، والامتثال، فالأول عن النائم والثانى عن التهديد ونحوه، والثالث عن المبلغ وفيه تهافت لأن المراد إن كان اللفظ فسد لقوله وإرادة دلالتها على الأمر وإن كان المعنى فسد لقوله الأمر صيغة افعل، وقال قوله الأمر إرادة الفعل، ورد بأن السلطان لو أنكر متوعدًا بالإهلاك ضرب سيد لعبده فادعى مخالفته فطلب تمهيد عذره بمشاهدته فإنه يأمر ولا يريد لأن العاقل لا يريد هلاك نفسه وأورد مثله على الطلب لأن العاقل لا يطلب هلاك نفسه وهو لازم والأولى لو كان إرادة لوقعت المأمورات كلها لأن معنى الإرادة تخصيصه بحال حدوثه فإذا لم يوجد لم يتخصص).
أقول: هذه من الحدود المزيفة للأمر التى ذكرها المعتزلة وأنهم لما أنكروا كلام النفس وكان الطلب نوعًا منه لم يمكنهم أن يحدوه به فتارة حدوه باعتبار اللفظ، وتارة باقتران صفة الإرادة وتارة جعلوه نفس صفة الإرادة، أما باعتبار اللفظ، فقالوا هو قول القائل لمن دونه افعل، ورد بأنه يرد على طرده قول القائل افعل لمن دونه تهديدًا أو تعجيزًا أو غيرهما فإنه يرد لخمسة عشر معنًى، وأيضًا يرد على طرده قول القائل افعل لمن دونه إذا صدر عن مبلغ لأمر الغير أو حاك له وأيضًا يرد على عكسه اشعل إذا صدر عن الأدنى على سبيل الاستعلاء ولذلك يذم بأنه أمر من هو أعلى منه وقد يجاب عن الأول بأن المراد قول افعل مرادًا به ما يتبادر منه عند الإطلاق، وعن الثانى أنه ليس قولًا لغيره افعل وعن الثالث بمنع كونه أمرًا عندهم لغة وإن سمى به عرفًا، وقال قوم هو صيغة افعل مجردة عن القرائن الصارفة عن الأمر، واعترض عليه بأنه تعريف الأمر بالأمر ولا يعرف الشئ بنفسه وإن أسقط هذا القيد بقى صيغة الأمر مجردة فيلزم تجرده مطلقًا حتى عما يؤكد فيه كونه أمرًا وقد يجاب عنه بأن المراد القرائن الصارفة عما يتبادر منها إلى الفهم عند إطلاقها وأما باعتبار ما يقترن بالصيغة من الإرادة فقال قوم صيغة فاعل بإرادات ثلاث: إرادة وجود اللفظ، وإرادة دلالتها على الأمر، وإرادة الامتثال واحترز بالأولى عن النائم إذ يصدر عنه صيغة افعل من غير إرادة وجود اللفظ، وبالثانية