قالوا: ثانيًا: كل مخبر كالقائل زيد قائم وعمرو فى الدار، وكل منشئ كالقائل أنت طالق وهو حر فإنما يقصد الزمان الحاضر فكذلك الأمر إلحاقًا له بالأعم الأغلب.
الجواب: أولًا: أنه قياس فى اللغة لأنك تقيس الأمر فى إفادته للفور على غيره من الخبر والإنشاء وقد علمت أنه غير جائز.
وثانيًا: بالفرق بينهما بأن الأمر فيه دلالة على الاستقبال قطعًا فلا يمكن توجهه إلى الحال لأن الحاصل لا يطلب بل إلى الاستقبال إما مطلقًا وإما الأقرب إلى الحال وكلاهما محتمل فلا يصار إليه إلا لدليل.
قالوا: ثالثًا: النهى يفيد الفور فيقيده الأمر لأنه طلب مثله، وقالوا أيضًا: الأمر بالشئ نهى عن أضداده، وهو يقتضى الفور وقد تقدم تقريرهما.
والجواب عنهما أيضًا قد تقدَّم فلا نعيدهما.
وقالوا: رابعًا: قال تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}[الأعراف: ١٢]، فذم على ترك المبادرة فدل على أنه للفور، وإلا لم يتوجه الذم عليه، وكان له أن يجيب بأنك ما أمرتنى بالبدار وسوف أسجد.
الجواب: أن ذلك لأنه أمر مقيد بوقت معين ولم يوجد فيه بدليل قوله: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[ص: ٧٢].
قالوا: خامسًا: لو كان التأخير مشروعًا، لوجب أن يكون إلى وقت معين، واللازم منتف، أما الملازمة فإذ لولاه لكان إلى آخر أزمنة الإمكان اتفاقًا ولا يستقيم لأنه غير معلوم والجهل به يستلزم تكليف المحال، وأما انتفاء اللازم فإذ لا إشعار به فى الأمر ولا دليل من خارج.
الجواب: أولًا بالنقض بما لو صرح بجواز التأخير إذ لا خلاف فى إمكانه، وثانيًا: بأنه إنما يلزم لو كان التأخير متعينًا فيجب تعريف وقته الذى يؤخر إليه ويفعله فيه، وأما إذا كان جائزًا فلا لأنه متمكن من الامتثال بالمبادرة فلا يلزم التكليف بالمحال.
قالوا: سادسًا: قال اللَّه تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[آل عمران: ١٣٣]، والمراد سببها اتفاقًا وهو فعل المأمور به فيجب المسارعة إليه، وقال تعالى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[المائدة: ٤٨]، وفعل المأمور به من الخيرات فيجب الاستباق إليه، وإنما تتحقق المسارعة والاستباق بأن يفعل بالفور.