قالوا: أولًا: روى أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"لأغزون قريشًا"، ثم سكت، ثم قال:"إن شاء اللَّه"(*)، ولولا صحته لما ارتكبه.
الجواب: يحمل على المسكوت العارض بما تقدَّم من تنفس أو سعال جمعًا بينه وبين أدلتنا.
قالوا: ثانيًا: سأله اليهود عن مدة لبث أصحاب الكهف فى كهفهم؟ فقال:"غدًا أجيبكم"، فتأخر الوحى بضعة عشر يومًا، ثم نزل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣، ٢٤]، فقال:"إن شاء اللَّه" ولا كلام يعود إليه ذلك الاستثناء إلا قوله: "غدًا أجيبكم"، فعاد إليه فصح الانفصال بضعة عشر يومًا وفيه المطلوب.
الجواب: لا نسلم عوده إلى: ". . أجيبكم"، لجواز أن يكون المراد:"أفعل إن شاء اللَّه" أى أعلق كل ما أقول له إنى فاعله غدًا بمشيئة اللَّه وذلك كما تقول: أفعل كذا وكذا فقال: إن شاء اللَّه أى أفعل ذلك إن شاء اللَّه، أو المراد: أذكر إن شاء اللَّه.
قالوا: ثالثًا: قال ابن عباس رضى اللَّه عنهما بصحته وهو عربى فقوله متبع.
الجواب: لا نسلم أنه قال به مطلقًا لأنه مؤوّل بما تقدَّم من أنه يسمع دعوى نيته، أو بأن الاستثناء المأمور به فى قوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣، ٢٤]، لو أخره إلى شهر من قوله: إنى فاعل ذلك غدًا إلا أن يشاء اللَّه، بأن لم يقله معه ثم أتى بعد الشهر بالعبارة الصحيحة فقال: إنى فاعل ذلك غدًا إن شاء اللَّه لكان ممتثلًا لهذا الأمر.
قوله:(وقيل يصح فى القرآن) قال الإمام فى البرهان: وإنما حملهم على ذلك خيال تخيلوه من كلام المتكلمين الصائرين إلى أن الكلام الأزلى واحد وإنما
(*) أخرجه ابن حبان (١٠/ ١٨٥) (ح ٤٣٤٣)، والبيهقى فى الكبرى (١٠/ ٤٧)، وأبو داود (٣/ ٢٣١) (ح ٣٢٨٥)، وعبد الرزاق فى مصنفه (٦/ ٣٨٥) (ح ١١٣٠٦)، والطبرانى فى الأوسط (١٠٠٤)، وأبو يعلى فى مسنده (٥/ ٧٨) (ح ٢٦٧٤)، والطبرانى فى الكبير (١١/ ٢٨٢) (ح ١١٧٤٢).