للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترجيح خاص بالقياس عمل به وإلا عمل بعموم الخبر، لنا أن القياسات إذا كانت كذلك أى ثبتت علتها بنص أو إجماع أو كان الأصل مخرجًا بنص نزلت منزلة نص خاص فى إفادة الظن فكانت مخصصة جمعًا بين الدليلين، وقد استدل على أن غيرها لا يخصص بأن العلة إن كانت مستنبطة فإما أن تكون راجحة على العام أو مرجوحة أو مساوية وإنما تخصص إذا كانت راجحة إذ لا يعمل بالمرجوح وفى المساوى يتوقف وإذا ثبت ذلك فالتخصيص يثبت باحتمال بعينه وينتفى بأحد احتمالين مبهما ولا شك أن وقوع احتمال من اثنين أقرب من وقوع واحد معين، فيكون عدم التخصيص أقرب فى النفس وأرجح فى الظن فوجب العمل به وهو المطلوب.

الجواب: أن هذا بعينه يجرى فى كل تخصيص وقد رجحتم الاحتمال الواحد فيها على الاحتمالين بأن فيه جمعًا للدليلين فما هو جوابكم ثمة فهو جوابنا ههنا احتج الجبائى بأنه لو قدم القياس على عموم الخبر لزم تقديم الأضعف على الأقوى وأنه باطل وبين الملازمة بما تقدَّم فى خبر الواحد أن الخبر يجتهد فيه فى أمرين السند والدلالة والقياس يجتهد فيه فى ستة أمور حكم الأصل وعلته ووجودها فيه وخلوها عن العارض فيه ووجودها فى الفرع وخلوها عن المعارض فيه مع الأمرين إن كان الأصل الخبر.

الجواب: أولًا بما تقدَّم من أن ما ذكرنا من الصور بمثابة نص خاص، وثانيًا بأن الإلزام بما ذكرتم لا يرد علينا لأن ذلك إنما لا يجوز عند إبطال أحدهما فإن الأقوى يبطل الأضعف، والأضعف لا يبطل الأقوى، وههنا ليس كذلك فإنه إعمال لهما ولا إبطال لشئ منهما، وثالثًا بإلزامه بما جوزتم من تخصيص الكتاب بالسنة وتخصيص المفهوم بمنطوق الكتاب والسنة مع أنه أضعف، وقد استدل على مذهب الجبائى وهو تقديم الخبر على القياس مطلقًا بحديث معاذ رضى اللَّه عنه حيث قال له عند بعثه إلى اليمن: "بم تعمل؟ "، فقال: بكتاب اللَّه. فقال: "فإن لم تجد؟ " قال: بسنة رسوله. قال: "فإن لم تجد". قال: أقيس الأمر بالأمر. فقال: "الحمد للَّه الذى وفق رسول رسوله لما يرضاه رسوله". فتقديم معاذ الخبر على القياس وتصويب الرسول له فيه يدلان على وجوب تقديم الخبر على القياس وأنه لا عبرة بالقياس مع وجود الخبر خالفه أو وافقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>