ومنها: تأويلهم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل"، قالوا: المراد بقوله: "أيما امرأة" إنما هى الصغيرة والأمة والمكاتبة، وبقوله:"فنكاحها باطل" أنه يؤول إلى البطلان غالبًا لاعتراض الولى عليه وإنما قلنا: المراد ذلك لأن المرأة غير من ذكرنا مالكة لبضعها ورضاها هو المعتبر فيصح كبيع سلعة تملكها، فإن قيل فكان ينبغى أن لا يجوز للولى الاعتراض كـ "فى بيع السلعة"، قلنا اعتراض الأولياء ههنا لدفع نقيصة إن كانت فإن الشهوة مع قصور النظر مظنة للوقوع فيها فإذا علم عدمها بعدم اعتراض الولى فقد حصل المقصود ولا يأتى مثله فى السلعة ووجه بعده أنه أبطل ظهور قصد النبى عليه الصلاة والسلام التعميم فى كل امرأة بتمهيد أصل من الأصول، فإن واضعى القواعد إذا ذكروا حكمًا بلا تفصيل يفهم منه قصدهم العموم وجعل ذلك قاعدة كلية وإن لم يكن اللفظ صريحًا فى العموم فكيف واللفظ صريح فى العموم وهو: أى، وأيما من صيغ العموم سيما وهى مؤكدة بما فحمله على النادر وهى الصغيرة والأمة والمكاتبة، ثم حمل قوله:"باطل باطل باطل" بتكرير لفظ البطلان ثلاث مرات تأكيدًا يؤتى به نفيًا لاحتمال السهو والتجوّز على نادر أيضًا، وهو مصيره إلى البطلان عند اعتراض الولى لنقيصة إن كانت لا شك أنه بعيد ينزل منزلة اللغز، ولذلك لو قال: السيد لعبده أكرم أيما امرأة لقيتها ثم قال أردت المكاتبة عدّ لغزًا، هذا مع إمكان قصد تعميمه ويكون الغرض منع استقلال المرأة عن نهوضها بنفسها بما لا يليق بمحاسن العادات، نهوضها به بنفسها ولا شك أن نكاح نفسها من هذا القبيل يشهد به العرف ولا يمكن إنكاره.
ومنها: تأويلهم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل"، قالوا: هو محمول على قضاء الصوم ونذره، وإنما حملوه عليه لما ثبت عندهم من صحة الصيام بينة من النهار، ووجه بعده أنهم حملوه على النادر فصار أيضًا كاللغز فإن صح المانع من الحمل على الظاهر وهو ما زعموه دليلًا على صحة الصيام بنية من النهار فينبغى أن يطلب له أقرب تأويل مثل نفى الفضيلة.
ومنها: تأويلهم قوله تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى}[الأنفال: ٤١]، فحملوه على الفقراء منهم لأن المقصود منه سد الخلة ولا خلة مع الغنى، ووجه بعده: أنهم عطلوا لفظ العموم مع ظهور أن القرابة ولو مع الغنى سبب مناسب للاستحقاق.