لا تنكحهن وإما بأن أمسك أربعًا أى الأوائل منهن وفارق سائرهن، أى الأواخر، ولذلك يرون وجوب تجديد النكاح إن تزوجهن معًا وإمساك الأربع الأوائل إن تزوجهن مرتبًا، ويرى أنه يمسك فى الصورتين أى أربع شاء بلا تجديد، وجه بعده أن غيلان كان متجدد الإِسلام لا يعرف شيئًا من الأحكام حتى يخاطب بغير ظاهر اعتمادًا على سبق علمه ولا شك أنه يبعد خطاب مثله بمثله، هذا مع أنه لم ينقل تجديد قط لا منه ولا من غيره أصلًا مع كثرة إسلام الكفار المتزوّجين، ولو كان لنقل قطعًا، ومما يشبه ذلك تأويلهم قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لفيروز الديلمى وقد أسلم على أختين:"أمسك أيتهما شئت وفارق الأخرى" بمثل ما مر، وهذا أبعد مما تقدَّم إذ فيه ما مر من وجهى البعد وهو تجديد إسلامه وعدم نقل التجديد ويختص بثالث وهو التصريح بقوله:"أيتهما شئت" فدل على أن الترتيب غير معتبر.
ومنها: تأويلهم قوله تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}[المجادلة: ٤]، قالوا: المراد إطعام طعام ستين مسكينًا لأن المقصود دفع الحاجة وحاجة ستين شخصًا كحاجة واحد فى ستين يومًا، ولا فرق بينهما عقلًا، وجه بعده أنه جعل المعدوم وهو طعام ستين مذكورًا بحسب الإرادة والموجود وهو إطعام ستين مسكينًا عدمًا بحسب الإرادة مع إمكان أن يكون المذكور هو المراد لأنه لا يمكن أن يقصد إطعام الستين دون واحد فى ستين يومًا لفضل الجماعة وبركتهم وتضافر قلوبهم على الدعاء للمحسن، فيكون أقرب إلى الإجابة ولعل فيهم مستجابًا بخلاف الواحد.
ومنها: تأويلهم قوله: "فى أربعين شاة، شاة"(*). قالوا: المراد قيمة شاة لما تقدَّم أن المقصود دفع الحاجة، والحاجة إلى قيمة الشاة كالحاجة إلى الشاة، وهذا أبعد مما قبله لأنه إذا وجبما قيمة الشاة فلا يجب الشاة فيجب أن لا تكون مجزئة وأنها تجزئ اتفاقًا، وأيضًا فيرجع المعنى المستنبط من الحكم، وهو دفع الحاجة المستنبط من إيجاب الشاة على الحكم وهو وجوب الشاة بالإبطال وكل معنى إن استنبط من حكم أبطله فهو باطل، لأنه يوجب بطلان أصله المستلزم لبطلانه فيلزم من صحته اجتماع صحته وبطلانه وأنه محال فينتفى صحته فيكون باطلًا.
(*) أخرجه البيهقى فى الكبرى (٤/ ٨٨) (ح ٧٠٤٦)، وابن ماجه (١/ ٥٧٧) (ح ١٨٠٥)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (٢/ ٣٦٦) (ح ٩٩٦٧)، والطبرانى فى الأوسط (٧٥٦٦). وانظر: التلخيص الحبير (٢/ ١٦٣) (٣/ ٩٣).