للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: (مسألة: المختار جواز النسخ قبل وقت الفعل مثل: حجوا هذه السنة، ثم يقول قبله: لا تحجوا، ومنع المعتزلة والصيرفى. لنا ثبت التكليف قبل وقت الفعل فوجب جواز رفعه كالموت، وأيضًا فكل نسخ كذلك لأن الفعل بعد الوقت ومعه يمتنع نسخه، واستدل بأن إبراهيم عليه السلام أمر بالذبح بدليل: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: ١٠٢] وبالإقدام وبترويع الولد، ونسخ قبل التمكن، واعترض بجواز أن يكون موسعًا، وأجيب بأن ذلك لا يمنع رفع تعلق الوجوب بالمستقبل لأن الأمر باق عليه وهو المانع عندهم وبأنه لو كان موسعًا لقضت العادة بتأخيره وجاء نسخه أو موته لعظمه، وأما دفعهم بمثل لم يؤمر وإنما توهم أو أمر بمقدمات الذبح فليس بشئ أو ذبح وكان يلتحم عقيبه أو جعل صفيحة نحاس أو حديد فلا يسمع ويكون نسخًا قبل التمكن. قالوا: إن كان مأمورًا به ذلك الوقت توارد النفى والإثبات، وإن لم يكن فلا نسخ، وأجيب بأنه لم يكن بل قبله، وانقطع التكليف عنده كالموت).

أقول: هذه مسألة النسخ قبل الفعل وصورتها أن يقول: حجوا هذه السنة، ثم يقول قبل دخول عرفة: لا تحجوا، وقد اختلف فى جوازه، والمختار الجواز، ومنعه المعتزلة والصيرفى، لنا أنه ثبت بالدليل فيما تقدَّم أن التكليف ثابت قبل وقت الفعل فوجب جواز رفعه بالنسخ، كما يرفع بالموت لأنهما سواء، وقد يجاب عنه بأن التكليف مقيد بعدم الموت عقلًا فلا رفع، ولنا أيضًا أن كل نسخ قبل وقت الفعل، وقد اعترفتم بثبوت النسخ، فيلزمكم تجويزه قبل الفعل، بيانه أن التكليف بالفعل بعد وقته محال، لأنه إن فعل أطاع وإن ترك عصى، فلا نسخ، وكذلك فى وقت فعله لأنه فعل وأطاع به فلا يمكن إخراجه عن كونه طاعة بعد تحققها، وقد يقال الكلام فيما لم يفعل شيئًا من الأفراد التى يتناولها التكليف، وليس كل نسخ كذلك، فلا يحصل الإلزام، واستدل بقصة إبراهيم عليه السلام، وهى أنه أمر بذبح ولده ونسخ عنه قبل التمكن من الفعل، أما الأول فبدليل قوله تعالى: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: ١٠٢]، ولأنه أقدم على الذبح وترويع الولد، ولو لم يكن مأمورًا به لكان ذلك ممتنعًا شرعًا وعادة، وأما الثانى فلأنه لم يفعل فلو كان مع حضور الوقت لكان عاصيًا، واعترض عليه بأنا لا نسلم أنه لو لم يفعل وقد حضر الوقت كان عاصيًا لجواز أن يكون الوقت موسعًا فيحصل التمكن فلا يعصى

<<  <  ج: ص:  >  >>