والحكم، الجواب منع ثبوت العالمية فإنه فرع ثبوت الأحوال وأنه عندنا باطل فليست العالمية أمرًا وراء قيام العلم بالذات لازمًا له، وكذا منع المفهوم فإنه غير لازم ونحن لسنا ممن يقول به ولئن سلمنا فلا يلزم من نسخ أحدهما دون الآخر الانفكاك لأن التلاوة أمارة الحكم ابتداء لا دوامًا أى يدل ثبوت التلاوة على ثبوت الحكم ولا يدل دوامها على دوامه ولذلك فإن الحكم قد يثبت بها مرة واحدة والتلاوة تتكرر أبدًا، وإذا كان كذلك فإذا نسخ التلاوة وحدها فهو نسخ لدوامها وهو غير الدليل وإذا نسخ الحكم وحده فهو نسخ للدوام وهو غير مدلول فلا يلزم انفكاك الدليل والمدلول بخلاف العالمية مع العلم والمنطوق مع المفهوم إن ثبتا لتلازمهما ابتداءً ودوامًا.
قالوا: ثانيًا: بقاء التلاوة دون الحكم يوهم بقاء الحكم وأنه إيقاع فى الجهل وهو قبيح فلا يقع من اللَّه تعالى، وأيضًا فتزول فائدة القرآن لانحصار فائدة اللفظ فى إفادة مدلوله فإذا لم يقصد به ذلك فقد بطلت فائدته والكلام الذى لا فائدة فيه يجب أن ينزه عنه القرآن.
الجواب: هذا مبنى على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين وقد أبطلناهما ولو سلم فقولك إنه إيقاع فى الجهل، قلنا لا نسلم وإنما يكون كذلك لو لم ينصب عليه دليل وأما إذا نصب فلا إذ المجتهد يعلم بالدليل والمقلد يعلم بالرجوع إليه، فينتفى الجهل قولك تزول فائدة القرآن، قلنا لا نسلم، وإنما يلزم لو انحصرت فائدته فيما ذكرتم وهو ممنوع لجواز أن تكون فائدته كونه معجزًا بفصاحة لفظه وقرآنًا يتلى للثواب.
التلاوة فقط والحكم فقط وأما نسخهما جميعًا فلا يتصور منعه ممن يقول بجواز النسخ فى القرآن وما ذكر فى المتن من شبههم، فالأول استدلال على امتناع نسخ أحدهما فقط لا على التعيين، والثانى على امتناع نسخ الحكم فقط وبمثله يستدل على امتناع نسخ التلاوة فقط لأنه يوهم رفع الحكم فيوقع فى الجهل ولأنه يكون عريًا عن الفائدة حيث لم يفد إثبات حكم ولا رفعه فلذا سكت عنه المصنِّفُ وليس من شبههم ما يدل على امتناع نسخهما جميعًا لعدم الخلاف فى ذلك فعلى هذا يكون تمكنًا بنسخ عشر رضعات محرمات نصبًا للدليل فى غير محل النزاع اللهم إلا