قال (مسألة: الجمهور على جواز نسخ القرآن بالخبر المتواتر ومنع الشافعى رضى اللَّه عنه، لنا ما تقدم واستدل بأن لا وصية لوارث نسخ الوصية للوالدين والأقربين والرجم للمحصن نسخ الجلد، وأجيب بأنه يلزم نسخ المعلوم بالمظنون وهو خلاف الفرض، قالوا:{نَأْتِ بِخَيْرٍ منْهَا أَوْ مثْلِهَا}[البقرة: ١٠٦]، والسنة ليست كذلك، ولأنه قال:{نَأْتِ}[البقرة: ١٠٦]، والضمير للَّه تعالى، وأجيب بأن المراد الحكم لأن القرآن لا تفاضل فيه فيكون أصلح للمكلف أو مساويًا وصح نأت لأن الجميع من عنده، قالوا:{قُلْ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدِّلَهُ}[يونس: ١٥]، قلنا ظاهر فى الوحى ولو سلم فالسنة بالوحى).
أقول: هذا عكس ما تقدم، وهو نسخ القرآن بالخبر المتواتر، وقد اختلف فى جوازه، والجمهور على جوازه ومنعه الشافعى رحمه اللَّه، لنا ما تقدَّم من أنه لو امتنع لامتنع لغيره والأصل عدمه، واستدل بأنه وقع فإن قوله:"لا وصية لوارث" نسخ الوصية للوالدين والأقربين الثابت بالقرآن، وأيضًا فرجم المحصن ثبت بفعله وهو قد نسخ الجلد فى حقه وهو ثابت بالقرآن.
الجواب: أنه غير صحيح وإلا لزم نفى المعلوم بالمظنون لأن الخبرين المذكورين من قبيل الآحاد وأنه خلاف المفروض وهو نسخ القرآن بالمتواتر، بل من جملة الصور التى لا تجوز بالاتفاق.
قالوا: أولًا: قال اللَّه تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة: ١٠٦]، وهذا يدل على عدم جواز نسخه بالسنة من وجهين: أحدهما: أن ما ينسخ به القرآن يجب أن يكون خيرًا أو مثلًا، والسنة ليست كذلك، ثانيهما: أنه قال: {نَأْتِ}[البقرة: ١٠٦]، والضمير للَّه، فيجب أن لا ينسخ إلا بما أتى به، وإنما هو القرآن.
الجواب: قولك: دلت الآية على أن ما ينسخ به القرآن خير منه أو مثله، قلنا لا نسلم بل على أن الحكم الناسخ خير للمكلف من المنسوخ لأن القرآن لا تفاضل فيه فيكون بعضه خيرًا من بعض ثم ما ثبت من الحكم بالسنة قد يكون أصلح بالنسبة إلى المكلف أو مساويًا لما ثبت بالقرآن.
قولك: قال: {نَأْتِ} والضمير للَّه، قلنا: يصح ذلك، وإن كان النسخ بالسنة لأن القرآن والسنة جميعًا من عنده، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ