قالوا: ثانيًا: قال تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ}[يونس: ١٥] الآية، نفى جواز التبديل عنه والنسخ تبديل، فينتفى جوازه منه، وهو المطلوب.
الجواب: أنه ظاهر فى الوحى وعدم تبديل لفظه، بأن يضع ما لم ينزل مكان ما أنزل، فلا يدل على منع تبديل الحكم ولو سلم فقد سبق أن السنة بالوحى، فلا يكون قد بدله من تلقاء نفسه، بل اللَّه هو المبدل.
له بخبر الواحد وهو غير جائز بالاتفاق بيننا وإن جوزه بعضهم على ما سبق فى نسخ المتواتر بالآحاد ويظهر بالتأمل أن قوله: وهو خلاف المفروض على هذا التقرير ليس حسن الانتظام لأن النسخ بالآحاد لا يخالف النسخ بالمتواتر بل يؤيده فلهذا ذهب بعضهم إلى أن المراد خلاف الفروض الذى هو امتناع نسخ القرآن.
قوله:(بخبر الواحد) على ما هو مفهوم المدعى حيث قيد الخبر بالمتواتر أو خلاف المجمع عليه المفروض لإجماعنا على امتناع نسخ القرآن بخبر الواحد، وقيل هو اعتراض على الجواب أى إنما يلزم نسخ المعلوم بالمظنون لو لم يكونا متواترين وهو خلاف فرض المستدل وهذا فى غاية البعد.
قوله:(قالوا: أولًا: قال اللَّه تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ. . .}[البقرة: ١٠٦]) مبنى الاستدلال على أن الخير أو المثل هو الذى وقع به النسخ وقد سلم ذلك فى الجواب، وهو باطل لأن الإتيان بالخير أو المثل كما رتب على النسخ فقد رتب على الإنساء وهو إذهاب لا إلى بدل، ولأن ترتب الإتيان به على النسخ يقتضى سابقة النسخ فلو كان النسخ به لزم الدور وقد سبق تحقيق ذلك على أنا فى مقام المنع وهو أنا لا نسلم دلالة ذلك على كون الناسخ هو الخير أو المثل بل على أنه إذا نسخ به أو أنساها فقد يأتى بآية أخرى العمل بها أكثر ثوابًا أو مساوٍ وقد يستدل بأن الآية تدل على أن بدل المنسوخ خير منه أو مثل له والناسخ بدل فيجب أن يكون كذلك وليس بشئ لأنه إن أريد بالبدل حكم يتعلق بالفعل المنسوخ حكمه على ما هو الحق فلا دلالة فى الآية على لزوم البدل فضلًا عن كونه خيرًا أو مثلًا كيف والإنساء إذهاب لا إلى بدل، وإن أريد الآية الأخرى التى نأتى بها فلا نسلم أنه الناسخ وقد سبق تحقيق ذلك.