قال:(مسألة يجوز التعبد بالقياس خلافًا للشيعة والنظام وبعض المعتزلة، وقال القفال وأبو الحسين: يجب عقلًا. لنا القطع بالجواز وأنه لو لم يجز لما وقع وسيأتى، قالوا: العقل يمنع مما لا يؤمن فيه الخطأ، ورد بأن منعه هنا ليس إحالة ولو سلم فإذا ظن الصواب لا يمنع، قالوا: قد علم الأمر بمخالفة الظن كالشاهد الواحد والعبيد ورضيعة فى عشر أجنبيات، قلنا بل قد علم خلافه كخبر الواحد وظاهر الكتاب والشهادات وغيرها وإنما منع لمانع خاص).
أقول: التعبد بالقياس هو أن يوجب الشارع العمل بموجبه وهو أن يكون ممتنعًا عقلًا أو جائزًا أو واجبًا، وقد قال بكل واحد منها قائل فعندنا يجوز وعند الشيعة والنظام وبعض المعتزلة يمتنع، وعند القفال وأبى الحسين يجب، لنا القطع بالجواز لأنه لو فرض أن يقول الشارع إذا وجدت مشاركة فرع الأصل فى علة حكمه فأثبت فيه حكمه واعمل به أيها المجتهد لم يلزم منه محال لا لنفسه، ولا لغيره، وأيضًا لو لم يجز لم يقع وقد وقع كما سيأتى.
قالوا: أولًا: القياس طريق لا يؤمن فيه الخطأ وهو بين ولا شك أن العقل مانع من سلوك طريق لا يؤمن فيه الخطأ ولا نعنى بعدم جوازه عقلًا إلا ذلك.
الجواب: لا نسلم أن منع العقل مما لا يؤمن فيه الغلط إحالة له وإيجاب لنفيه بل معناه أنه مرجح للترك عليه والمدعى هو الإحالة فهو نصب دليل لا فى محل النزاع ثم إن مثله لا يمتنع التعبد به شرعًا ولو سلم أن منعه عنه إحالة لذلك فى الجملة فلا نسلم أن منعه ثابت فى جميع الصور فإنه مختص بما لا يغلب فيه جانب الصواب، وأما إذا ظن الصواب، وكان الخطأ مرجوحًا فلا يمنع فإن المظان الأكثرية لا تترك بالاحتمالات الأقلية وإلا لتعطلت الأسباب الدنيوية والأخروية إذ ما من سبب من الأسباب إلا ويجرى فيه ذلك ويجوز تخلف الأثر عنه والتضرر به فإن الثانى لا يزرع بيقين أن يأخذ الربع والتاجر لا يسافر وهو جازم بأن يربح والمتعلم لا يتعب فى تعلمه وهو يقطع بأنه يعلم ويثمر علمه ما يتعلم له إلى غير ذلك، بل العقل يوجب العمل عند ظن الصواب، وإن أمكن الخطأ تحصيلًا لمصالح لا تحصل إلا به على ما لا يخفى فى تتبع موارد الشرع، ومن طلب الجزم فى التكاليف عطل أكثرها.
قالوا: ثانيًا: لا يجوز العقل ورود الشرع بالعمل بالظن لما قد علم منه أنه ورد