للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (القياس يجرى فى الحدود والكفارات خلافًا للحنفية لنا أن الدليل غير مختص وقد حد فى الخمر بالقياس، وأيضًا الحكم للظن وهو حاصل كغيره، قالوا: فيه تقدير لا يعقل، كأعداد الركعات، قلنا: إذا فهمت العلة وجب كالقتل بالمثقل وقطع النباش، قالوا: قال: "ادرءوا الحدود بالشبهات"، ورد بخبر الواحد والشهادة).

أقول: القياس هل يجرى فى الحدود والكفارات، قد اختلف فيه فمنعه الحنفية والمختار خلافه، لنا أن الدليل الدال على حجية القياس ليس مختصًا بغير الحدود، والكفارات بل هو متناول لهما جميعًا لعمومه فوجب العمل به فيهما ومن صور اتفاق الصحابة رضوان اللَّه عليهم على العمل بالقياس أنهم حدوا فى الخمر بالقياس، حين تشاوروا فيه، فقال على رضى اللَّه عنه: إذا شرب سكر وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فأرى عليه حد الافتراء، فأقام مظنة الشئ مقامه، كتحريم مقدمات الزنا، حيث كانت مظانة له فقام دليلًا فى المتنازع فيه بخصوصه كما دل عليه بعمومه، ولنا أيضًا أن الحكم إنما يثبت فى غيره أى فى سائر الأقيسة أو فى سائر الاجتهادات لإفضائه إلى الظن وهو حاصل ههنا فوجب العمل به، لا يقال هذا قياس فى الحدود والكفارات فيلزم الدور، لأنا نقول المتنازع فيه إثبات الحدود والكفارات قياسًا لبعضها على بعض، وهذا إثبات وجوب العمل بالقياس فيها كالقياس فى غيرها، وإن سلمنا فنحن لا نثبته بالقياس بل باستقراء أو إجماع، مفيد للقطع، بأن الظن يجب العمل به وقد حصل ههنا.

قالوا: أولًا: فى شرع الحدود والكفارات تقدير لا يعقل معناه كأعداد الركعات وأعداد الجلد، وتعيين ستين مسكينًا مما لا سبيل إلى إدراك معناه.

الجواب: هذا إنما ينفعكم لو عم جميع أحكام الحدود والكفارات وليس كذلك فإن منها ما يعقل معناه، ثم نحن لا نوجب القياس فى كل حكم حد أو كفارة بل لا نوجب القياس فيها وفى غيرها إلا فيما علم معناه، ونقول إنه إذا علم المعنى فيه وجب القياس كما قيس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد، وقطع النباش على قطع السارق، فإن العلة والحكمة فيهما معلولتان، وأما ما لا يعلم فيه المعنى فلا خلاف فيه كما فى غير الحدود والكفارات ولا مدخل لخصوصيتهما فى امتناع القياس.

<<  <  ج: ص:  >  >>