للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحاصله أن العلم صفة قائمة بمحل متعلقة بشئ توجب كون المحل مميزًا للمتعلق تمييزًا لا يحتمل ذلك المتعلق نقيض ذلك التمييز، فلا بد من اعتبار المحل الذى هو العالم؛ لأن التمييز المتفرع على الصفة إنما هو له لا للصفة ولا شك أن تمييزه إنما هو لشئ تتعلق به الصفة، والتمييز وهو الذى لا يحتمل النقيض كما صرح به فيما بعد وإسناده إلى التمييز مجاز ثم الظاهر أن المراد نقيض التمييز كما ذكرناه لا نقيض الصفة أو المتعلق.

قوله: (وهذا) أى هذا الحد (يتناول التصور إذ لا نقيض له) لأن النقبضين هما المفهومان المتمانعان لذاتهما ولا تمانع بين التصورات فإن مفهومى الإنسان واللا إنسان مثلًا لا يتمانعان إلا إذا اعتبر ثبوتهما لشئ فيحصل حينئذٍ قضيتان متنافيتان صدقًا وإن جعل السلب راجعًا إلى نسبة الإنسان كانتا متناقضتين، وكذلك قولنا: حيوان ناطق حيوان ليس بناطق على التقييد لا يتدافعان إلا بملاحظة وقوع تلك النسبة إيجابًا وارتفاعها سلبًا أعنى التصديقين اللذين أشير بهما إليهما أو بالاعتبار المذكور فى المفردين، وكذا قولنا: اضرب ولا تضرب لا مدافعة بينهما إلا بنحو من أحد التأويلين فلا تناقض بين التصورات أنفسها وما ذكره المنطقيون من نقائض أطراف القضايا فعلى وجهين، أحدهما أن يعتبر نسبة الأطراف إلى الذات تقييدًا إيجابيًا أو سلبيًا ويسمون هذا نقيضًا بمعنى السلب، وثانيهما أن يلاحظ مفهوماتها من حيث هى هى ويجعل معنى حرف السلب مضمونًا إليها صائرًا معها شيئًا واحدًا ويسمونه نقيضًا بمعنى العدول وكلاهما مجاز على التأويل اللهم إلا أن يقال المتناقضان هما المفهومان المتنافيان لذاتيهما والتنافى إما فى التحقق والانتفاء كما فى القضايا وإما فى المفهوم بأنه إذا قيس أحدهما إلى الآخر كان أشد بعدًا مما سواه فيوجد فى التصورات أيضًا كما فى مفهومى الفرس واللا فرس وبهذا المعنى قيل رفع كل شئ نقيضه سواء رفعه فى نفسه أو رفعه عن شئ وإذا لم يكن للتصور نقيض صدق أن متعلقه لا يحتمل النقيض بوجه فإذا تصورنا ماهية الإنسان وحصل فى ذهننا صورة مطابقة لها فالتمييز ههنا هو تلك الصورة إذ بها تمتاز وتنكشف الماهية الإنسانية عند النفس ومتعلق التمييز هو تلك الماهية ولا يحتمل نقيض ذلك التمييز إذ لا نقيض له وعلى هذا فالعلم بالإنسان ليس تلك الصورة بل صفة توجبها، فإن قلت ما ذكرته يقتضى أن تكون التصورات بأسرها علوما

<<  <  ج: ص:  >  >>