قال: (مسألة: المختار أنه بعد البعث متعبد بما لم ينسخ، لنا ما تقدَّم والأصل بقاؤه وأيضًا الاتفاق على الاستدلال بقوله:{النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}[المائدة: ٤٥]، وأيضًا ثبت أنه قال:"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"، وتلا:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}[طه: ١٤] وهى لموسى وسياقه يدل على الاستدلال به. قالوا: لم يذكر فى حديث معاذ وصوبه. وأجيب: بأنه تركه إما لأن الكتاب يشمله، أو لقلته جمعًا بين الأدلة. قالوا: لو كان لوجب تعلمها والبحث عنها قلنا: المعتبر التواتر فلا يحتاج. قالوا: الإجماع على أن شريعته عليه السلام ناسخة. قلنا: لما خالفها وإلا وجب نسخ وجوب الإيمان وتحريم الكفر).
أقول: قد اختلف فى أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد البعثة هل كان متعبدًا بشرع من قبله أما ما نسخ بدينه فظاهر أنه لم يتعبد به وأما ما لم ينسخ به وفيه الخلاف فالمختار أنه كان متعبدًا به، لنا ما تقدَّم أنه كان متعبدًا به قبل البعثة والأصل بقاء ما كان على ما كان، ولنا أيضًا أن العلماء اتفقوا على الاستدلال بقوله:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفْسَ بِالنفْسِ}[المائدة: ٤٥]، على وجوب القصاص فى ديننا ولولا أنه متعبد بشرع من قبله لما صلح الاستدلال بكون القصاص واجبًا فى دين بنى إسرائيل على كونه واجبًا فى دينه، ولنا أيضًا أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"، وتلا قوله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}[طه: ١٤]، وهى مقولة لموسى عليه السلام، وسياق هذا الكلام يدل على الَاستدلال بقوله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} على أن عند التذكر تجب الصلاة، وإلا لم يكن لتلاوته فائدة، وذلك دلالة الإيماء، ولو لم يكن هو وأمته متعبدين بما كان موسى متعبدًا به فى دينه لما صح الاستدلال.
قالوا: أولًا: لو تعبد بشرع من قبلنا لذكره معاذ فى حديثه الذى سبق ولم يصوبه النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا تركه واللازمان منتفيان.
الجواب: أن تركه إما لأن الكتاب يشمله، وإما لقلة وقوعه جمعًا بين الأدلة.
قالوا: ثانيًا: لو كان متعبدًا بشرع من قبلنا لوجب علينا تعلم أحكام ذلك الشرع ولوجب البحث عنه على المجتهدين واللازم باطل إجماعًا.
الجواب: أن المعتبر فى ثبوته التواتر لأن الآحاد لا يفيد لعدم العلم بعدالة الأوساط والتواتر لا يحتاج إلى التعلم والبحث.