كان لازمًا بينًا يعلل بالذات وإلا فبالوسائط إنما يصح لو أريد العلة فى التصديق ولو أريد ذلك انتقض باللوازم البينة، فإن التصديق بثبوتها للملزومات لا يعلل بشئ أصلًا نعم يشكل ما ذكر بما أطبق عليه المنطقيون من أن حمل الأجناس العالية على الأنواع إنما هو بواسطة المتوسطات وحيل المتوسطات بواسطة السوافل، حتى صرح ابن سينا بأن الجسمية للإنسان معلل بحيوانيته.
قوله:(فى التعقل) لأنهما فى الوجود واحدى لا اثنينية أصلًا فلا تقدم، وهذا التفسير مختص بجزء الماهية والأولان يعمان نفس الماهية أيضًا وحقيقة التعريفين الآخرين ترجع إلى الأول؛ لأن عدم تعليل الذاتى مبنى على أنه لا يمكن فهم الذات قبل فهمه بل بالعكس والتقدم فى التعقل مستلزم لذلك وإن لم يكن مبنيًا عليه.
قوله:(الذاتى) لما أخذ الذاتى فى تعريف الحد الحقيقى فسره أولًا بالمعنى الأعم الشامل للذات والجزء تفسيرين، وثانيًا بما يخصه تفسيرًا واحدًا وقال: الذاتى ما لا يتصور فهم الذات قبل فهمه، ومأخذه ما قيل من أن الجزء لا يمكن توهم ارتفاعه مع بقاء الماهية بخلاف اللازم إذ قد يتصور ارتفاعه مع بقائها واعتبر ذلك فى الثلاثة إذ يمتنع توهم ارتفاع الواحد ذهنًا أو خارجًا مع بقاء ماهيتها هناك، ولا يمتنع تصور ارتفاع الفردية مع بقائها وإن امتنع تحقق الثلاثة فيهما منفكة عنها، فالمحال ههنا هو المتصور دون التصور، وأما فى الجزء فكلاهما محال وعلى هذا فمعناه أن الذاتى محمول لا يمكن أن يتصور كون الذات مفهومًا حاصلًا فى العقل بالكنه ولا يكون هو بعد مفهومًا حاصلًا فى العقل بالكنه فيدخل فيه الذات إذ يستحيل تصور ثبوتها عقلًا بل خارجًا أيضًا قبل ثبوتها فعه والجزء المحمول إذ يمتنع تصور ثبوت الذات فى العقل وهو معنى كونه مفهومًا قبل ثبوته فيه أى: مع ارتفاعه عنه، والسبب فى ذلك أن رفع الذاتى هو رفع الذات بعينه فامتنع توهم الانفكاك فلو قدر عدمه أى فرض وتصور أنه معدوم فى العقل لكان بعينه فرضًا وقصورًا لعدم الذات فيه بخلاف اللازم كالمتضايف فإن ارتفاعه مغاير لارتفاع ملزومه، وإن كان مستلزمًا له ذهنًا وخارجًا فأمكن تصور الانفكاك لا يقال الحكم بأن تصور ثبوت الثلاثة لا يجامع ارتفاع الواحد يقتضى تصور ثبوتها مع ارتفاعه