بهما ليسعد فى معاشه ومعاده ثم إن المعرفة لا تتم إلا بمقدمات نظرية مستندة إلى قضايا ضرورية يتوسل بها إلى المطالب والعبادة لا تتحصل إلا بمعرفة الأحكام المستندة إلى دلائلها والإنسان الواحد لا يستبد بتحصيل هذه المعارف المتعلقة بالمطلوبين بل يحتاج فيه إلى معين له من نوعه يساعده على تحصيل مرامه ولا تتصور هذه المساعدة إلا بما ذكرنا من الإعلام.
قوله:(أقدرهم) يعنى لا علم اللَّه سبحانه احتياج الناس فى تحصيل السعادة الدنيوية والدينية إلى إعلام ما فى الضمائر من أمرى المعاش والمعاد أقدرهم (على الصوت وتقطيعه) قطعًا مختلفة هى الحروف بآلات معدة لذلك من الحنجرة والعضلات والشفة وتركيبها (على وجه يدل على ما فى النفس) من المعانى المتكثرة إما بوضعها أو وضع تراكيبها الواقعة على أنحاء شتى بإزائها سواء كان ذلك الوضع من اللَّه أو من الناس فيحصل المطلوب (بسهولة لأن الصوت كيفية عارضة للنفس الضرورى) الممتد من قبل الطبيعة دون تكلف اختيارى كما أن الحروف كيفيات عارضة للصوت يصير بها قطعًا فخفت مؤنة الإعلام بها وعمت الفائدة لتناول الموضوعات اللغوية المأخوذة من القطع الصوتية (للموجود) حاضرًا كان أو غائبًا (والمعدوم) ممتنعًا كان أو ممكنًا (والمحسوس والمعقول ووجودها) عطف على قوله: لتناولها أى وجود الموضوعات (مع الحاجة) أى وقت عرضت (وانقضائها مع انقضاء الحاجة) بخلاف الكتابة لاحتياجها إلى أدوات يتعسر حضورها فى جميع الأوقات وبقائها مع الحاجة فربما يطلع على المراد من لا يراد اطلاعه عليه وبخلاف الإشارة لاختصاصها بالموجودات المحسوسة الحاضرة فلا تعم فائدتها وكذا سائر الأفعال الاختيارية لا شئ منها يتناول جميع المعانى (وفيه) أى وفى إحداث الموضوعات اللغوية (من اللطف ما لا يخفى) على المتدبر إذ بها يتوصل إلى انتظام الأحوال فى الأولى والأخرى.
قوله:(لأن التفكر) توجيه لقول المصنف فلنتكلم بالفاء يعنى إذا كان إحداثهما من لطف اللَّه وإنعامه فلنتكلم على حدها وأقسامها وطريق معرفتها وابتداء وضعها لأن التكلم عليها يستلزم التفكر فيها والتفكر فى ألطاف اللَّه تعالى والتكلم بها شكر فالتكلم المستلزم للتفكر بل الأمر به حثًا وتحريضًا متفرع على كون إحداثها من نعم اللَّه تعالى.