للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى قولك: سىرت من البصرة على الوجه الذى استفيد منه لا يصلح لشئ منهما فتعين أن يكون معناه الابتداء الخاص بالاعتبار الثانى؛ وهو معنى لا يستقل بالمفهومية ولا يتحصل ذهنًا ولا خارجًا إلا بمتعلق ثم إنه يستعمل فى كل ابتداء خاص حقيقة بلا اشتراك فهو موضوع لذلك وضعًا عامًا على معنى أن الواضع تصوّر مفهوم الابتداء ولاحظ به جزئيات فعين لفظ "من" بإزائها، وأما "ابتدأ" فالواضع تصوّر معنى الابتداء المطلق ولاحظ معه النسبة من حيث هى حالة بينه وبين شئ معين فى زمان ماض وعين لفظه بإزاء هذا المجموع، فالنسبة ههنا مفهوم غير مستقل كمفهوم الحرف لا تعقل إلا بطرفيها فلذلك لا يتحصل معنى ابتدأ ذهنًا ولا خارجًا إلا بذكر الفاعل، وإنما حكمنا بذلك لأن النسبة المطلقة والمخصوصة الملحوظة بالذات من حيث هى كذلك لا تكون حكمية بل تقع محكومًا عليها أو بها كما يظهر بأدنى تأمل، وإنما اعتبرنا فى الفاعل التعيين أىّ تعيين كان سواء كان جزئيًا أو مفهومًا عامًا فإن المفهومات العامة من حيث هى أمور متعينة وباعتبار ما صدقت هى عليه غير متعينة؛ لأن النسبة الحكمية التى يتضمنها ابتدأ لو كانت متعلقة بفاعل لا بعينه ولا شك أنه مفهوم عند إطلاقه لكان ابتدأ وحده كلامًا تامًا محتملًا للصدق والكذب وأنه باطل اتفاقًا مع استلزامه محذورين على ما بين فى علم آخر، وأما معنى الابتداء فإنه وإن كان صالحًا فى نفسه للحكم عليه وبه لكنه بانضمام هذه النسبة إليه صار مأخوذًا فيه من حيث إنه محكوم به وانسلخ عنه صلاحية الحكم عليه؛ لأنا نعلم قطعًا أن الابتداء المستفاد من ابتدأ على الوجه الذى استفيد منه لا يصلح أن يكون محكومًا عليه وبه، وما يقال من أن الفعل صالح للحكم به فإنما هو باعتبار جزء معناه لا مجموعة، وما حققناه من الوضع العام فى الحروف يجرى فى الأفعال باعتبار النسب المعتبرة فيها وامتازت الأفعال بالاشتمال على معنى هو محكوم به، وأما نحو ذو وفوق فهو موضوع لذات ما باعتبار نسبة مطلقة كالصحبة والفوقية لها نسبة تقييد به إليها فليس فى مفهومه ما لا يتحصل إلا بذكر متعلقه بل هو مستقل بالتعقل والتزام الإضافة لا يقتضى عدم الاستقلال فلذلك يقع محكومًا عليه وبه، وعلى وعن والكاف فى الحرفية معناها الاستعلاء والتجاوز والشبه المخصوصة على قياس من فتكون غير مستقلة بالمفهومية، وفى الاسمية معناها إما الفوق والجانب والمثل كما هو المشهور

<<  <  ج: ص:  >  >>