التفسيرات الثلاث كما سيصرح به الشارح رحمه اللَّه فيما بعد بل بما أوضحناه سابقًا وتوهم بعضهم أنهما بالتفسير الأول عقليان اتفاقًا إنما النزاع فيهما بالتفسيرين الأخيرين.
قوله:(الثالث ما لا حرج فى فعله) أى شرعًا (وما فيه حرج وليس ذاتيًا) للفعل (لما ذكرناه آنفًا) من الاختلاف بالأحوال والأزمان.
قوله:(بهذا التفسير) أى الثالث إذ لا حرج شرعًا فى المباح وفعل غير المكلف وليس شئ منهما حسنًا ولا قبيحًا بالتفسير الثانى إذ لم نؤمر بالثناء على فاعله ولا بذمه وفعل اللَّه سبحانه بالاعتبار الأول لا يوصف بحسن ولا قبح لتنزهه عن الغرض كما تحقق فى علم الكلام وبالاعتبارين الأخيرين حسن أما بالاعتبار الثالث فحسن مطلقًا أى قبل ورود الشرع وبعده وأما بالاعتبار الثانى فبعده لا قبله إذ لا أمر من الشارع بالثناء إلا بعده سواء فى الحسن بهذا الاعتبار بعد ورود الشرع فعله تعالى قبل الشرع وفعله تعالى بعده إذ قد أمرنا بالثناء على الفاعل فيهما وأما فعل العبد قبل ورود الشرع فيوصف بالحسن والقبح بالاعتبار الأول وبالحسن فقط بالاعتبار الثالث ولا يوصف بشئ منهما بالاعتبار الثانى وفعله بعد وروده ينقسم إلى حسن وقبيح بالاعتبارات الثلاث وفى الأحكام أن ما كان من أفعال العباد قبل ورود الشرع فحسنه وقبحه بالاعتبار الأول والثالث وفيه إشعار بثبوت الحرج قبل الشرع وهو منظور فيه فإن قلت قد يطلق الحسن والقبح بمعنى الكمال والنقصان فلا يصح الحصر المستفاد من قوله: إنما يطلق لثلاثة أمور قلت: ذلك فى الصفات والكلام فى الأفعال لا يقال ما ذكرته من أن القبح عند الأشاعرة هو كونه منهيًا عنه والحسن بخلافه معنًى رابع لأنا نقول بل هو راجع إلى التفسير الثالث وإن فسرنا الحسن بكونه مأمورًا به كان راجعًا إلى الثانى.
قوله:(الأفعال حسنة وقبيحة لذواتها) أى لا لسبب أمر مباين من شرع أو غيره فإن المستند إلى الصفات مستند إلى الذات فيتناول التفاصيل المذكورة من أن القدماء ذهبوا إلى أن الحسن أو القبح يحصل للفعل بذاته لا بصفة توجبه وأن قومًا قالوا يحصل الحسن أو القبح بصفة حقيقية لازمة توجبه فى الحسن والقبيح وأن قومًا اعتبروها فى القبيح فقط وأن الجبائية ذهبوا إلى أن الصفة الموجبة للحسن أو القبح ليست حقيقية بل هى وجوه واعتبارات مختلفة.