وبالحسن كونه بحيث لا يستحق فاعله ذلك وربما فسروه بكون الفعل بحيث يستحق فاعله المدح ثم القبح هو معنى الحرمة، والحسن تتفاوت مراتبه فإن كان بحيث يستحق فاعله المدح وتاركه الذم عند العقل فهو الوجوب وإلا فإن استحق فاعله المدح فقط فهو للندب أو استحق تاركه المدح فقط فهو الكراهة أو لا يتعلق بفعله ولا تركه مدح ولا ذم فهو الإباحة وهذه الأمور أعنى الوجوب وأخواته ثابتة للأفعال فى ذواتها وليست مستفادة من الشرع بل حاصله قبله أيضًا لا بالقياس إلى العباد فقط بل بالقياس إلى الخالق أيضًا ولذلك قالوا: بوجوب أشياء عليه تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا ووصفوا الأفعال بالحسن والقبح بالنسبة إليه وذهبوا إلى أن أوامر الشرع ونواهيه كاشفة عنها لا مثبتة إياها فوجوب الصلاة وحرمة الزنا أمران ثابتان لا بسبب الأمر والنهى بل هما كاشفان عنهما وإذا قاسوا الأفعال إلى المكلفين زادوا فى تعريف القبع استحقاق العقاب آجلًا وقيدوا استحقاق الذم بالعاجل ونفوهما من تعريف الحسن، وذهبت الأشاعرة إلى أن الأفعال لا حسن لها ولا قبح بما ذكر من التفسير بل قبحها عبارة عن كونها منهيًا عنها شرعًا، والحسن بخلافه وليس لها فى نفسها صفة يكشف عنها الشرع بل هما مستفادان منه ولو قلب القضية فى الأمر والنهى لانقلب الحسن قبيحًا وبالعكس ولما كانت هذه الأحكام الخمسة ثابتة للأفعال من الشرع والعقل يحكم بذلك إجمالًا وقد يطلع على تفاصيلها إما بالضرورة أو بالنظر فيحكم بها على مذهب المعتزلة قالوا: الحاكم هو العقل والشرع هو الكاشف، وأما على مذهب الأشاعرة: فلا ثبوت لها إلا من الشرع ولا حكم للعقل بها أصلًا فالحاكم عندهم هو الشرع فظهر أن مدار الكلام على أن للأفعال حسنًا وقبحًا بما ذكر من المعنى والعقل يحكم بذلك أوّلًا فلهذا قال: أما الحاكم فهو عندنا الشرع دون العقل ولا نعنى به أن العقل لا حكم له فى شئ أصلًا إذ أحكامه فى الأشياء أكثر من أن تحصى بل نعنى به أن العقل لا يحكم بأن الفعل حسن أو قبيح لذاته فيما تعلق به حكم اللَّه تعالى من أفعال المكلفين ونعنى أن الحسن والقبح إنما يطلق لثلاثة أمور إضافية تتغير بحسب الإضافات لا ذاتية للأفعال لا تتغير بحسب الأحوال ويوصف بها الأفعال على ما ذكر من التفصيل والعقل يحكم بها ولا تطلق على ذلك المعنى ولا يتصف بها الفعل ولا يحكم به العقل فليس النزاع فى اتصاف الأفعال بالحسن والقبح على