قال:(وعلى الجبائية لو حسن الفعل أو قبح لغير الطلب لم يكن تعلق الطلب لنفسه لتوقفه على أمر زائد، وأيضًا لو حسن الفعل أو قبح لذاته أو صفته لم يكن البارئ مختارًا فى الحكم لأن الحكم بالمرجوح على خلاف المعقول فيلزم الآخر فلا اختيار ومن السمع هو {وَمَا كُنَّا مُعَذّبينَ حَتَّى نبعَثَ رَسُولًا}[الإسراء: ١٥]، لاستلزام مذهبهم خلافه).
أقول: الأدلة المذكورة لا تنتهض على الجبائية لأنه إذا كان بوجوه واعتبارات، اندفع الأول لجواز الاختلاف، والثانى لجواز الاجتماع، والثالث لأنه قد لا يكون معنى، والرابع لأن اللازم والاتفاقى قد يكون له جهات واعتبارات. فاحتج بما ينتهض عليهم وعلى غيرهم وهو من العقل والنقل. أما من العقل فوجهان:
أحدهما: أنه لو كان حسن الفعل وقبحه لأمر غير الطلب حاصل فى الفعل لم يكن تعلق الطلب لذاته واللازم باطل أما الملازمة فلتوقف تعلقه حينئذ على أمر زائد وما هو للشئ بالذات لا يتوقف على أمر زائد وأما بطلان اللازم فلأنا نعلم بضرورة العقل أن الطلب صفة ذات إضافة تستلزم مطلوبًا عقلًا ولا يعقل حقيقته إلا متعلقًا بمطلوب.
ثانيهما: أنه لو حسن الفعل أو قبح لذاته أو لصفة لم يكن البارئ مختارًا فى الحكم واللازم باطل بالإجماع.
بيان اللزوم أن الأفعال تكون حينئذ غير متساوية فى نفسها بالنسبة إلى الأحكام فإذا كان الفعل فيه أحد الحكمين راجحًا فالحكم بالمرجوح على خلاف المعقول، فيكون قبيحًا فلا يجوز عليه فيكون الحكم بالراجح متعينًا عليه وأنه ينفى الاختيار، وقد يقال: إن امتناع الفعل لقيام صارف القبح لا ينفى الاختيار.
وأما من السمع فقوله تعالى:{وَمَا كنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء: ١٥]، ولو كان الأحكام مدركها العقل لزم خلف ذلك وهو التعذيب قبل البعثة لتحقق الوجوب والخرم وهما يستلزمان التعذيب عندهم لمنعهم العفو. قوله: لاستلزام مذهبهم خلافه؛ يحتمل أن يريد به استلزام حكم العقل خلاف ما تقتضيه الآية والأقرب حمله على أن مذهبهم فى عدم جواز العفو يستلزم التعذيب قبل البعثة بترك الواجبات العقلية إشارة إلى أنه إلزامى وأنه لا يمتنع أن يقال بالوجوب العقلى مع نفى التعذيب قبل البعثة لجواز العفو.