قوله:(وههنا نكتة) وهى أن الحكم الشرعى كما علمت نفس خطاب اللَّه تعالى الموصوف بما ذكر فالإيجاب مثلًا هو نفس معنى قوله: افعل وهو قائم بذاته سبحانه وليس للفعل من الإيجاب المتعلق به صفة حقيقية قائمة به تسمى وجوبًا فإن القول لفظيًا كان أو نفسيًا ليس لمتعلقه منه صفة حقيقية أى لا يحصل لما يتعلق به القول بسبب تعلقه به صفة موجودة لأن القول يتعلق بالمعدوم كما يتعلق بالموجود فلو اقتضى تعلقه تلك الصفة لكان المعدوم متصفًا بصفة حقيقية وهو أى معنى قوله: افعل إذا نسب إلى الحاكم تعالى لقيامه به سمى إيجابًا وإذا نسب إلى ما فيه الحكم وهو الفعل لتعلقه به سمى وجوبًا وهما أى الإيجاب والوجوب متحدان بالذات لأنهما ذلك المعنى القائم بذاته تعالى المتعلق بالفعل مختلفان بالاعتبار لأنه باعتبار القيام إيجاب وباعتبار التعلق وجوب، وكذا الحال فى التحريم والحرمة فلذلك أى فللاتحاد ذاتًا ترى الأصوليين يجعلون أقسام الحكم الوجوب والحرمة مرة والإيجاب والتحريم أخرى وتارة الوجوب والتحريم كما فعله المصنف تنبيهًا على هذه النكتة فإن قيل: الوجوب مترتب على الإيجاب يقال: أوجب الفعل فوجب وذلك ينافى الاتحاد أجيب بجواز ترتب الشئ باعتبار على نفسه باعتبار آخر إذ مرجعه إلى ترتب أحد الاعتبارين على الآخر وبهذا يجاب أيضًا عما قيل: إن الإيجاب من مقولة الفعل والوجوب من مقولة الانفعال ودعوى امتناع صدق المقولات على شئ باعتبارات مختلفة محل مناقشة نعم يتجه أن يقال: ما ذكرتم إنما يدل على أن الفعل من حيث تعلق به القول لم يتصف بصفة حقيقية تسمى وجوبًا لكن لِمَ لا يجوز أن يكون صفة اعتبارية هى المسماة بالوجوب أعنى كونه بحيث تعلق به الإيجاب بل هذا هو الظاهر ليكون كل من الموجب والواجب متصفًا بما هو قائم به ولا شك أن القائم بالفعل ما ذكرناه لا نفس القول وإن كان هناك نسبة قيام باعتبار التعلق ولو ثبت أن الوجوب صفة حقيقية لتم المراد إذ ليس هناك صفة حقيقية سوى ما ذكر إلا أن الكلام فى ذلك.
واعلم أن هذه المنازعة لفظية إذ لا شك فى خطاب نفسانى قائم بذاته تعالى متعلق بالفعل يسمى إيجابًا مثلًا، وفى أن الفعل بحيث يتعلق به ذلك الخطاب