نفس الخطاب وأن فى جعل الوجوب والحرمة من أقسام الحكم تسامحًا وأنه كان ينبغى للمصنف أن يذكر فى مقابلة التحريم الإيجاب دون الوجوب؛ فإن قيل فعلى هذا لا تغاير بين الحكم والدليل لأنه نفس قوله: افعل قلنا: الحكم هو القول النفسى على ما يناسب معناه المصدرى والدليل هو القول اللفظى المناسب لمعنى المفعول.
قوله:(وقد نبه المصنف) أما التنبيه على الفائدة الأولى فبقوله: ومن يسقط غير كف. . . إلخ. وأما على الثانية فبتقييد الترك بجميع الوقت مع أنه مستغنى عنه فى تمام التعريف لأنا إذا قلنا: الوجوب طلب فعل غير كف ينتهض تركه سببًا للعقاب كان الواجب الموسع داخلًا فيه إذ ينتهض تركه سببًا فى الجملة كما إذا تركه فى جميع الوقت وإن لم ينتهض دائمًا كما إذا تركه فى بعض أجزاء الوقت وهذا معنى قوله على أنه لو لم يذكره لم يخل وأما قوله: فستعلم أنه لا ينتهض فلا يخفى أن لفظ فستعلم أنه زائد لا معنى له.
قوله:(يرد عليه) أى على المصنف وجوب الكف فى قول الشارع إذا قال: كف نفسك عن كذا فإنه إيجاب ولا يصدق أنه طلب فعل غير كف فقد انتفى حدّ الإيجاب ولم ينتف المحدود فبطل طرد تعريف التحريم، وكذا الكلام فى مثل امكث واترك الحركة وصم ونحو ذلك من إيجاب التروك، وأما نحو: لا تكفف فهو طلب كف عن فعل لا طلب فعل غير كف فلا يرد وقد أورد هذا الاعتراض على تعريف الأمر بطلب فعل غير كف ولا يخفى أن المراد الفعل الذى هو مأخذ صيغة الطلب والكف عن ذلك الفعل وحينئذ لا إشكال، أما فى اللفظى فظاهر وأما فى النفسى فتعبير باللفظى.
قوله:(والتحقيق) يعنى إن أجرى التعريفان على ظاهرهما بطلا عكسًا وطردًا بمثل اكفف، وإن حملا على أن الإضافة معتبرة فيهما بناء على أن قيد الحيثية لا بد منه فى تعريف الأمور التى تختلف باختلاف الإضافات، وكثيرًا ما يحذف من اللفظ لظهوره حتى يكون المراد أن الوجوب طلب يعتبر من حيث تعلقه بفعل، والحرمة طلب يعتبر من حيث تعلقه بالكف عن فعل، فيكون اكفف عن فعل كذا من حيث تعلقه بالكف إيجابًا وبالفعل المكفوف عنه تحريمًا لم يكن قوله غير كف محتاجًا إليه فى تمام حدّ الوجوب، ويكفى طلب فعل ينتهض تركه سببًا اللهم إلا أن يقصد زيادة الوضوح والتنبيه.