الجمع بينهما صفة الجمع بينهما والعلم بثبوت الصفة للشئ فرع تصوّر ذلك الشئ. قلنا: نحن لا ندعى انتفاء تصوّر المستحيل مطلقًا بل انتفاء تصوره مثبتًا وهو أخص ولا يلزم من نفى الأخص نفى الأعم، والذى ذكرتم يستدعى تصوّره مطلقًا لا تصوّره مثبتًا فلا يضرنا، وبيانه أن المتصوّر هو الجمع بين المختلفات كالسواد والحلاوة، وهو المحكوم بنفيه عن الضدين فقد تصوّر فى الضدين منفيًا لا مثبتًا، فإن قيل المستحيل متصور ثبوته ذهنًا لأنا نحكم عليه بالحكم الثبوتى بأنه معدوم ومستحيل وثبوت الشئ لغيره فرع ثبوته فى نفسه، فهو ثابت، وإذ ليس فى الخارج فهو فى الذهن وذلك كاف فى طلبه، قلنا ما ذكرتم باطل لوجوه:
الأول: أنه يكون الخارج مستحيلًا، والذهنى بخلافه، وهو المتصوّر فلا يكون المستحيل هو المتصوّر.
الثانى: أن الحكم بالامتناع على المتصوّر، وقد ذكرت أن ذلك هو الذهنى وهو غير ممتنع فقد حكمت بالامتناع على ما ليس بممتنع.
الثالث: أن تصوّره ذهنًا لا يكفيكم ولا يضرنا؛ لأن حكم الذهن على الخارج بالامتناع يستدعى تصوره للخارج وبينا أنه لا يتصوّر لأنه تصوّر الأمر على خلاف حقيقته.
قوله:(والإجماع منعقد على صحته) بل على وقوعه كتكليف الكافر بالإيمان والعاصى بالطاعة وإنما الخلاف فيما أمكن فى نفسه لكن لا تتعلق به القدرة الحادثة عادة سواء امتنع لا لنفس مفهومه كخلق الأجسام أم لم يمتنع كحمل الجبل والطيران إلى السماء فجوزه الأشاعرة وإن لم يقع وأما ما يكون مستحيلًا بالنظر إلى نفس مفهومه كجمع الضدين وقلب الحقائق فجواز التكليف فيه فرع تصوره فمنهم من قال: لو لم يتصور لامتنع الحكم بامتناع تصوره وطلبه ومنهم من قال: طلبه يتوقف على تصوره واقعًا، وهو منتف ههنا فإنه إنما يتصور إما منفيًا بمعنى أنه ليس لنا شئ موهوم أو محقق هو اجتماع الضدين أو بالتشبيه بمعنى أن يتصور اجتماع المخالفين كالسواد والحلاوة ثم يحكم بأن مثله لا يكون بين الضدين وذلك غير تصور وقوعه ولا مستلزم له كذا فى الواقف.
قوله:(وإن ظن قوم أنه ممتنع لغيره) يشير إلى أن الصحيح استناد الكل إليه