للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تكذيبه لكن إذا علم ذلك وجزم بصدور هذا التصديق عنه كان حكمًا بكذب الرسول فى إخباره بأنه لا يصدقه ولزم تكذيبه لأن تصديقه للنبى -صلى اللَّه عليه وسلم- خلاف ما أخبر به من أنه لا يصدقه فيكون الحكم به حكمًا بوقوع خلاف ما أخبر به النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو معنى التكذيب وأنت خبير بأن مجرد كون التصديق مستلزمًا لعدم التصديق كاف فى الاستحالة ولا حاجة إلى استلزامه التكذيب المفتقر بيانه إلى توسط العلم.

قوله: (والجواب) حاصله أن هذا أيضًا من قبيل التكليف بما علم اللَّه عدم وقوعه وأخبر بذلك وهو ليس من تكليف المحال فى شئ وذلك لأن أبا جهل وأمثاله لم يكلفوا إلا بتصديق النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما جاء به ولم يخاطبهم اللَّه ولم يخبرهم بأنهم لا يؤمنون حتى يلزم التكليف بأن يصدقوه فى عدم التصديق على التفصيل والتعيين ليلزم المحال بل إنما أخبر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنهم لا يؤمنون كما أخبر نوحًا وخاطبه صريحًا بأنه لا يؤمن من قومه إلا من قد آمن، ولما كان هذا المعنى وهو كون الإعلام للنبى -صلى اللَّه عليه وسلم- لا للقوم فى إخبار نوح عليه السلام أظهر شبه به إخبار النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-، والشيخ العلامة قد تحير فى هذا المقام ولم يحم حول المرام.

قوله: (نعم لو كلفوا) هذا لا مدخل له فى الجواب وإنما هو زيادة تحقيق وتتميم له وحاصله أن الفعل إما واجب أو ممتنع بحسب العلم والإرادة ولا نزاع فى صحة التكليف وفى وقوعه وإذا انضم إلى ذلك الإخبار بأنه لا يقع فالتكليف بحاله إن لم يسمع المكلف ذلك الإخبار وإن سمعه فالتكليف به صحيح نظرًا إلى إمكانه فى نفسه لكنه غير واقع لعدم الفائدة من العزم أو الفعل والكفار مكلفون بالإيمان إجمالًا سواء ورد الإخبار بأنهم لا يؤمنون أم لم يرد وكذا إذا ورد ولم يسمعوه أو سمعوه ولم يصدقوا به أما لو صدقوا وعلموا أن الفعل يمتنع منهم البتة فيسقط التكليف بذلك بالاتفاق على ما سيجئ فى المسألة الأخيرة من مسائل المحكوم عليه ولا يلزم من هذا عدم تكليفهم بالإيمان على تقدير إسماعهم الآية الدالة على أنهم لا يؤمنون لأنهم لا يصدقونها ولا يحصل لهم العلم: بمضمونها وإلا لزم كذب الإخبار بأنهم لا يؤمنون.

<<  <  ج: ص:  >  >>