وكل فعل له فهو مخلوق اللَّه تعالى لا قدرة للعبد عليه، وأما الموت والنسخ والإخبار فلا يعم كل مكلف إذ ليس كل فعل مما علم اللَّه موت المكلف قبل التمكن منه أو أخبر بأنه لا يقع، أو نسخه عنه قبل تمكنه منه، فقوله فى المتن بأن ذلك لا يمنع تصور الوقوع إشارة إلى جميع ما سبق، وقوله: وبأن ذلك يستلزم إشارة إلى البعض، وهو الأول والأخيران.
قوله:(لأن من جوز) أى ليس كل من جوز التكليف بالمحال قال بوقوعه بل افترقوا فرقتين ومن قال بالوقوع لم يقل بأن كل تكليف تكليف بالمحال فوقع اتفاق الكل على عدم العموم.
قوله:(قالوا ثانيًا) فإن قيل قد بين فى الوجه الأول انتفاء اللازم بوجوه متعددة، وهذا أيضًا من وجوه بيان انتفاء اللازم فكيف جعل دليلًا على حدة دون الوجوه السابقة؟ قلنا: لأن دعوى المستدل أن هذا تكليف بما هو مستحيل فى نفسه لا بما يمتنع أو يجب وإن كان ممكنًا فى نفسه كما فى الأول وحاصل تقريرهم أن أبا جهل مكلف بأن يصدق الرسول فى جميع ما جاء به حتى فى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[البقرة: ٦]، فيكون مكلفًا بأن يصدقه فى أن لا يصدقه فى شئ مما أتى به من اللَّه تعالى، وهو محال فقيل: لأنه تكليف بالنقيضين لأن التصديق فى الإخبار بأنه لا يصدقه فى شئ يستلزم عدم تصديقه رسوله فى ذلك ضرورة أنه صدقه فى شئ والتكليف بالشئ تكليف بلوازمه ورد بالمنع لا سيما اللوازم العدمية، وقيل: لأنه تكليف بجمع النقيضين أى بالتصديق فى حال وجوب عدم التصديق بناء على إخبار اللَّه تعالى بأنه لا يصدق ويرد عليه أنه حينئذٍ يكون الوجه الأول، أعنى التكليف بما علم اللَّه انتفاءه أو أخبر بذلك على ما أشار إليه بقوله: وأيضًا أخبر أنه لا يؤمن فلذا عدل الشارح المحقق عن ذلك وبين أن تصديقه فى أن لا يصدقه محال لأنه يستلزم أن لا يصدقه وما يكون وجوده مستلزمًا لعدمه يكون محالًا، وجه الاستلزام أنه إذا صدقه فى هذا الإخبار امتثالًا للأمر بالتصديق فقد علم قطعًا أنه صدقه وجزم بذلك وهذا حكم بخلاف ما أخبر به النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- من أنه لا يصدقه فى شئ أصلًا وهو معنى تكذيبه وإنما احتاج إلى قوله: إذ يعلم أى أبو جهل تصديقه للرسول لأن التكذيب هو الحكم بكذب المخبر فمجرد التصديق فى أنه لا يصدقه وإنما يستلزم كذب المخبر