للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلها تكليف بالمستحيل لوجوب وجود الفعل أو عدمه لوجوب تعلق العلم بأحدهما وأيًا كان تعين، وامتنع الآخر وللدليلين الأخيرين، وأما الموت والنسخ والإخبار فلا يعم وكون كل تكليف بالمستحيل باطلًا بالإجماع لأن من جوز التكليف بالمحال لم يقل بوقوعه، ومن قال بوقوعه لم يعمم.

قالوا: ثانيًا: لو لم يجز لم يقع وقد وقع فإنه كلف أبا جهل ونحوه بالإيمان وهو تصديق رسوله فى جميع ما جاء به، ومنه أن لا يصدقه فقد كلفه بأن يصدقه فى أنه لا يصدقه وهو محال لأن تصديقه فى أن لا يصدقه يستلزم أن لا يصدقه إذ يعلم تصديقه له ويلزم تكذيبه لأنه خلاف ما أخبر به.

والجواب: أنهم لم يكلفوا إلا بتصديقه وأنه ممكن فى نفسه متصوّر وقوعه إلا أنه مما علم اللَّه أنهم لا يصدقونه لعلمه بالعاصين وإخباره لرسوله كإخباره لنوح بقوله: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: ٣٦]، لا أنه أخبرهم بذلك ولا يخرج الممكن عن الإمكان بعلم أو خبر، نعم لو كلفوا بالإيمان بعد علمهم بإخباره بأنهم لا يؤمنون لكان من قبيل ما علم المكلف امتناع وقوعه منه، ومثل ذلك غير واقع لأنه يوجب انتفاء فائدة التكليف وهو الابتلاء لاستحالته منهم لما ذكرتم فلذلك لو علموا لسقط منهم التكليف.

قوله: (وأيضًا أخبر) عطف على قوله: قد علم، وهذا دليل آخر على أن العاصى يمتنع منه الفعل وذلك فى الكفار خاصة، وقوله: وكذلك، أى: مثل العاصى من علم بموته ومن نسخ عنه الفعل، وقوله: لأن المكلف، عطف على قوله: لأن العاصى، وقوله: لوجوب تعلق العلم بأحدهما، أى: بوجود الفعل أو عدمه، فإن اللَّه تعالى يعلم قطعًا أنه يفعله فيتعين الفعل ويمتنع الترك أو لا يفعله فيتعين الترك ويمتنع الفعل فيكون التكليف إما بالممتنع فظاهر أنه تكليف بالمستحيل، وإما بالواجب فيكون تكليفًا بما ليس فى وسعه وهو المعنى بتكليف المحال على ما مر فى كون القدرة مع الفعل وكون أفعال العباد مخلوقة للَّه تعالى، لا يقال بل هو تكليف بالمستحيل الذى هو إيجاد ما يجب وجوده لأنا نقول إنما يكون مستحيلًا لو لم يكن وجوده بذلك الإيجاد، وقوله: وللدليلين الأخيرين يعنى أن كل ما يصدر عن المكلف لا قدرة له عليه إلا حال الفعل، والتكليف قبله

<<  <  ج: ص:  >  >>