أجمعوا على تخطئة المخالف فيكون حجة فقد أثبتم الإجماع بالإجماع، وإن قلتم: الإجماع دل على نص قاطع فى تخطئة المخالف فقد أثبتم الإجماع بنص يتوقف على الإجماع ولا يخفى ما فيه من المصادرة على المطلوب، لأنا نقول: المدعى كون الإجماع حجة والذى ثبت به ذلك هو وجود نص قاطع دل عليه وجود صورة من الإجماع يمتنع عادة وجودها بدون ذلك النص، سواء قلنا: الإجماع حجة أم لا، وثبوت هده الصورة من الإجماع ودلالتها العادية على وجود النص لا يتوقف على كون الإجماع حجة فما جعلنا وجوده دليلًا على حجية الإجماع لا يتوقف على حجيته لا وجوده ولا دلالته فاندفع الدور، ومنها أنهم أجمعوا على أنه يقدم على القاطع وأجمعوا على أن غير القاطع لا يقدم على القاطع بل القاطع هو المقدم على غيره، فلو كان غير قاطع لزم تعارض الإجماعين، وأنه محال عادة، فإن قيل على الدليلين مقتضاهما أن الإجماع حجة إذا بلغ المجمعون عدد التواتر فإن غيره لا يقطع بتخطئة مخالفه، ولا يقدم على القاطع إجماعًا فالجواب أن الدليل ناهض فى إجماع المسلمين من غير تقييد ولا اشتراط فإنهم خطئوا المخالف وقدموه على القاطع مطلقًا من غير تعرض لعدد التواتر وإن سلم فلا يضرنا إذ غرضنا حجية الإجماع فى الجملة وقد صح على أن أكثر ما يستدل به من الإجماع كإجماع الصحابة والتابعين كذلك ولأن حجية غيره ثبتت بالظواهر وثبتت حجية الظواهر بإجماع من هذا القبيل فيندفع الدور.
قوله:(وأورد عليه) أى على ما ذكرتم من القاعدة المبنى عليها استدلالكم ومن أن العادة حاكمة بأن مثل هذا الاتفاق لا يكون إلا عن قاطع أنها منقوضة بالاتفاقات المذكورة فإن كلًا منها قد اشتمل على جميع ما ذكرتم من القيود مع أن العادة لا تحكم باستناده إلى قاطع والجواب أنه لا يشتمل على القيود لانتفاء الشرعية فى الأول والتحقيق فى الأخيرين.
قوله:(فاندفع الدور) إشارة إلى أن بطلان المصادرة من جهة أنها دور لتوقف المدعى على الدليل المتوقف عليه، فإن قيل: لو صحت القاعدة المذكورة لكفت فى حجية كل إجماع من غير احتياج إلى توسط الإجماع على تخطئة المخالف ولاستلزمت وجود قاطع فى كل حكم وقع الإجماع عليه وفساده ظاهر قلنا: ليس