اختلاف الصفات على الجنس الذي يحرم التفاضل فيه لا ينقله عن الحكم. ودليلنا من طريق الترجيح أن علتنا يتعلق تأثيرها بكل واحد من المنصوص عليه، لأنه لولم يذكر لم يستفد تعلق الربا بنوعه، ولا يوجد ذلك في علل مخالفنا؛ لأنه يستوي فيه نفصه علة واجد منها وعلى جميعها؛ لأن الأكل والكيل واحد فيها ولا عبرة عندهم في اختلافها، فكانت علتنا أولى به؛ لأن علتنا تستوفي أصلها ولا تنفرد بتخصيصه، فكانت أولى من علة أبي حنيفة العائدة بمخالفة أصلها ورفع بعضه؛ لأن علتنا وهي الاقتيات والادخار معنى ثابت لازم في الأشياء المعللة به، وليس كذلك الكيل والوزن. ولأن نظير علتهم في الأصول لا تؤثر في الربا وهو الذرع والعدد فإنهما يرادان ليعرف بهما مقدار الأشياء كما يراد الكيل والوزن لذلك، ثم ثبت أنهما لا يجوز أن يكونا علة في الربا فالأشبه أن يكون كذلك الكيل والوزن، وعلتنا سليمة من كل هذه الاعتراضات فكانت أولى؛ ولأن الربا شرع تحريمه حراسة للأموال وحفظاً لها، ولا نتفاء الضرر عن الناس فيها، وقد ثبت أنه ليس بعام عندنا وعندهم في كل المثمونات، فوجب أن يكون فيما تمس الحاجة إليه وتشتد الضرورة إلى حفظه، وهو في المأكولات، الأقوات وما في معناها، وفي الموزونات، الأثمان وما في بابها، وقد دخل الكلام على الشافعي في هذه الجملة والله أعلم.
[٨٥٨] فصل: وعلة الربا في الذهب والفضة كونهما أثماناً وقيماً للمتلفات، فهي مقصورة عليهما غير متعدية. وعند أبي حنيفة أن العلة فيهما كونهما جنسين موزونين فيتعدى ذلك إلى الحديد والرصاص وإلى كل جنس موزون، والكلام معهم في موضعين: أحدهما: أن تدل على صحة علتنا. والأخرى: أن العلة المقصورة تصح عندنا، وهذا موضعه في كتب الأصول إلا أنا نذكر ههنا جملة منه.