خفيت عليه الدلائل، وكذلك ما زاد على الإناءين، وإلى هذا ذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يجوز التحري في الإناءين، ويجوز فيما زاد عليهما. فأشبه مذاهب أصحابنا مذهب مالك، وأليقها بأصولها قول محمد بن مسلمة. وتجب البداية بالكلام في ثبوت التحري؛ لأن ما عداه فرع عليه، فإذا قلنا: إنه ثابت فوجهه أن الطهارة عبادة تؤدى تارة بيقين، وتارة بظاهر فجاز دخول التحري فيه عند الاشتباه. أصله الغاؤه اليقين عند كونه معايناً لها، والظاهر هو أن يكون في بعض البلدان أو القرى فيصلي إلى القبلة المرسومة هناك بالظاهر، فأما اليقين في أداء الطهارة بالماء: فمثل أن يتوضأ من دجلة نفسها أو البحر أو ماء المطر، والظاهر هو: أن يرى ماء متغيراً لا يدري مم تغيره، فإن الأصل الطهارة، ولأن في القول بنفي التحري إلزامه صلاتين والواجب عليه واحدة، ووجه القول بأنه لا يتحرى: أن التحري إنما يحتاج إليه في الموضع الذي لا يوصل إلى اليقين؛ لأنه إذا صلى متوضياً بكل واحد من الإناءين فقد أدى الصلاة بيقين؛ لأن أحدهما إن كان نجساً فالصلاة به ساقطة والمعتد به الإناء الآخر، ويفارق القبلة لأنه لا يصلي إلى اليقين فيها مع الغيبة بل إلى الظاهر والاجتهاد، ولأن عليها أمارات، وعلامات بخلاف الماء. ولأنه قد ثبت أن أحد الإناءين إذا كان نجساً نجاسة أصلية مثل أن يكون خمراً أو بولاً فإنه لا يتحرى والعلة فيه أنه تحر لإناء نجس من طاهر فكذلك في مسألتنا، هذا على قول أصحاب الشافعي، فأما على قول ابن المواز فيجوز أن يقال يتحرى، لأن البول والخمر وغيرهما من النجاسة الأصلية له دلائل وأمارات تعرف بها كالقبلة.